ليست زيارة تاريخيّة إلا إذا… - تواصل نيوز

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ليست زيارة تاريخيّة إلا إذا… - تواصل نيوز, اليوم الجمعة 28 نوفمبر 2025 06:53 صباحاً


الأب البروفسور جوزف مكرزل* 
ليست زيارة قداسة البابا إلى لبنان مجرّد حدثٍ بروتوكوليّ، ولا يمكن حصرها أيضاً في إطار "تاريخيّتها". فـ"التاريخيّة"، حتى تتحقّق، تحتاج الى أن يلاقيها اللبنانيّون بما يليق، لا على صعيد الحشد الشعبي في القدّاس وعلى الطرق فحسب، بل على صعيد القرارات وما ستغيّره في الداخل اللبناني كي لا تنتهي مفاعيلها مع صعود قداسته الى الطائرة التي ستقلّه الى روما.

يمكننا، من وجهة نظرٍ مسيحيّة كاثوليكيّة، أن ننظر إلى الزيارة وقفة صلاةٍ فوق أرضٍ عَبَرَتها العواصف، ولا تزال، ويدٍ أبوية تمتدّ لتُداوي شقوق الروح قبل شقوق الحجر.

ويمكننا، أيضاً وأيضاً، أن ننتظر الزيارة لنقول إنّ الجروح، مهما غارت في الجسد، تبقى قابلةً للشفاء إذا ما تقاطعت عليها نعمةُ السماء ونيّةُ البشر. 

فلبنان يحتاج إلى من يعيد التذكير برسالته: الحرّية، والكرامة، وعيشُ الشراكة بين أبنائه مهما تنوّعت انتماءاتهم، فلا تتحوّل الاختلافات الى خلافات، وقد برع فيها اللبنانيّون حتى فاقوا البيزنطيّين جدلاً. 

من هنا، نرى قداسة البابا رسولاً للمسامحة، يدعو المسيحيّين إلى أن يواجهوا واقعهم لا بانسحابٍ إلى الخوف، بل بانفتاحٍ على الآخر. وننتظره ليُشعل في كنائسنا شمعةً تُضيء درب الأجيال الجديدة، من المسيحيّين خصوصاً، وتقول لهم إنّ حضورهم في هذه البلاد ليس مصادفةً، بل دعوةً ورسالةً. إلا أنّ هذا الحضور لن يستمرّ بالمصادفة أيضاً، ولا بمشاريع السلطة ولا، خصوصاً، بالخوف والاستسلام.

فبين ما يجري وراء حدودٍ هنا من تغييرٍ كبيرٍ في النظام والايديولوجيا والديموغرافيا يبدو المسيحيّون الحلقة الأضعف فيه، وما يجري وراء حدودٍ أخرى من دمارٍ وإجرام، على المسيحيّين اللبنانيّين أن يعوا دقّة المرحلة، فيترفّعون عن صغائر خلافاتهم ويبحثون عن نظرةٍ واحدةٍ الى المستقبل إن عجزوا عن توحيد الرؤية إلى الماضي والحاضر.

من هنا الحاجة الى أن توقظ هذه الزيارة الأمل في نفوس المسيحيّين وتستنهض ضمائر مسؤوليهم، وتذكّر الجميع بأنّ لبنان قادرٌ على النهوض متى التقت النيّات الطيّبة وصمتت الأصوات التي تمزّقه، من داخلٍ وخارج. 

وتكمن أهميّة الزيارة أيضاً في توقيتها، في لحظةٍ سياسيّة يخطو فيها لبنان، ولو بتمهّل، نحو مرحلةٍ جديدة تتعزّز فيها قوّة الدولة بمؤسّساتها وتستعيد هيبةً فقدت بعضها، على أمل أن تستعيد قريباً ثقة جميع اللبنانيّين، من دون أن يشعر أحدهم بفائض قوّةٍ ولا بفائض قلق.

في هذه اللحظة بالذات، لا ننتظر من قداسته أعجوبةً بل ننتظر من مسؤولينا صحوة ضميرٍ تجعل من حضور البابا بيننا علامةً للتحوّل الذي يجب أن يواكب التغييرات في المنطقة، بل في العالم، عبر سلوكٍ جديد، خصوصاً لدى السياسيّين المسيحيّين، يكون هدفه تفعيل الحضور والدور، لا حصد الأصوات الانتخابيّة حصراً.

ويشكّل شعار الزيارة "طوبى لصانعي السلام" خارطة طريق لنا جميعاً، فنكفّ عن صناعة الحروب، على أنواعها، إذ تزرع أحقاداً في النفوس يصعب محوها أحياناً. ولنصنع سلاماً في ما بيننا قبل أن نختلف على السلام مع الآخرين. مثل هذا السلام يبدأ من نفوسنا، وقد تكون زيارة رأس الكنيسة الكاثوليكيّة أفضل انطلاقةٍ له، فتستحقّ حينها صفة "التاريخيّة"، إلا إذا اخترنا، هذه المرّة أيضاً، إضاعة الفرص.

 

*رئيس جامعة الروح القدس - الكسليك

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق