مرحبا" أبي… - تواصل نيوز

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مرحبا" أبي… - تواصل نيوز, اليوم الجمعة 28 نوفمبر 2025 10:53 صباحاً

ناريمان الناشف 

 

 

أكتب إليك من غرفة ضيّقة تشبهني كثيراً جدرانُها صامتة، وقلبي يعلو صوته فقط حين لا يسمعه أحد.
يعطونني هنا كوب ماء كل صباح، لكنّهم لا يعرفون أنّ عطشي ليس للماء… بل لطمأنةٍ واحدةٍ بالأمان.
أتظاهر بالقوّة أمامهم، أضحك حين يطلبون، وأهزّ رأسي بصمتٍ حين يتحدّثون عن التحسّن، لكن الحقيقة أنّ الليل ينهشني كلّما خفَت الضوء.
لا يسمحون لي بالخروج إلى الساحة مساءً، يقولون إن الهواء البارد يؤذيني،
ولم يفهم أحد أنّ ما يؤذيني حقاً هو هذا الجدار الذي يقف بيني وبين العالم...
إنّ العاصفة يا أبي تكبر…
وأنا أصغر.
أعلم أن البيت أكثر نظاماً من دوني،
وأن صوت التلفاز لا يزعج أحداً،
وأن الكرسي الخشبي قرب مقعدي ظلّ فارغاً منذ موتي…
لكنني هنا، أحاول أن أتنفّس من شقوق يومي،
وأحاول ألّا أنهار أمام أعينٍ تراقب ولا ترى.
يا أبي…
لا أريد الكثير.

pexelstatianasyrikova3932968_104656.jpg

أريد فقط يداً تمسح رأسي وتعطي روحي السلام
لم أعد أعرف متى بدأ هذا الإرهاق يتسرّب إليّ… كان في البداية خيطًاً رفيعاً لا يُرى، ثم صار ظلًّا يتقدّم خُطاي، ثم غيمةً ثقيلة تلاحقني أينما ذهبت.
أستيقظ كل صباح كأنني نجوت من معركةٍ لم يرَها أحد، أجرّ جسدي إلى يومٍ يشبه أمس، وأحاول أن أقنع نفسي بأن الأشياء البسيطة ما زالت قادرة على إنعاشي، لكنّها تعبر داخلي مروراً صامتاً… بلا أثر.
الوقت هنا كثيف، والهواء أثقل من أن يُستنشق دفعة واحدة.
تتساقط الساعات مثل غبارٍ بارد، تراكمه الأيام فوق صدري حتى لا أعود أفرّق بين ضيق النفس وضيق الروح.
لا أحد يلاحظ ذلك، فالوجوه اعتادت أن ترى القشرة فقط…
أحاول أن أتذكّر آخر مرة شعرت فيها أن العالم واسع، لكن العاصفة صارمة كأنها تتواطأ مع هذا التعب كي يبقى أطول.
كم يشبهني هذا المكان الهادئ أكثر مما يجب…
رتيبٌ، خجول، يبالغ في الصمت، ويُخفي ما لا يستطيع شرحه.
حتى الأشياء هنا لا تتحرّك إلا بقدر ما يسمح لها القلق.
ورغم كل ذلك، ما زال في داخلي جزء صغير، ضئيل، لكنه يقاوم.
جزء يطلب شيئاً عادياً جداً… وميضاً بسيطًاً إلى حد الألم،
جرعة هواء أوسع، مساحة نفس أعمق،
وقليلاً -  قليلاً فقط - من السلام.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق