حين تتحول المكافأة إلى فجوة أخلاقية: هل يستحق المدير كلّ هذا الراتب؟! - تواصل نيوز

منوعات 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حين تتحول المكافأة إلى فجوة أخلاقية: هل يستحق المدير كلّ هذا الراتب؟! - تواصل نيوز, اليوم الأحد 12 أكتوبر 2025 10:36 مساءً

تواصل نيوز - جو 24 :

كتب زياد فرحان المجالي *

في الوقت الذي يُعاني فيه الاقتصاد الأردني من ضيقٍ في الدخل، وارتفاعٍ في الأسعار، وتراجع القدرة الشرائية، تُفاجئنا التقارير المالية لأحد أقدم البنوك وأكثرها رمزية في المملكة بأرقامٍ فلكية لما يتقاضاه مديره العام — يتجاوز المليون دينار سنويًا، أي ما يقارب مئة ألف دينار شهريًا.

السؤال ليس حسابيًا، بل أخلاقي: هل يستحق أي مدير مهما بلغت كفاءته هذا الراتب في بلدٍ يعاني فيه أغلب المواطنين من العجز الشهري؟

فجوة تتجاوز المال

الإدارة العليا لأي مؤسسة مالية تحتاج إلى خبرة وقرارات حاسمة، لكنّ الأجر لا يكون معيارًا للنجاح وحده.

فالمؤسسة المصرفية ليست مشروعًا شخصيًا، بل كيانٌ وطنيٌّ يشارك في تشكيل السياسات الاقتصادية. وعندما يقف المدير على قمة هرمٍ من الامتيازات، بينما يقف الآلاف من الموظفين والمواطنين تحت ضغط المعيشة، يتحول الراتب إلى فجوةٍ رمزية بين رأس المال والمجتمع.

إنّ الفرق بين الكفاءة والاستحقاق ليس في القدرة على الإدارة، بل في فهم العدالة الاقتصادية. المدير الذي يتقاضى راتبًا يعادل ما يجنيه مئات الموظفين مجتمعين، لا يمكن أن يكون بمعزلٍ عن واقع بلاده، مهما كانت تبريرات "السوق” و”المنافسة”.

منطق السوق لا يكفي

يبرر البعض تلك الأجور بأنها "نتيجة للأداء”، وأن المؤسسات الكبرى تحتاج إلى حوافز تجذب أصحاب الخبرة.

لكن حين تتحقق الأرباح من فوائد القروض لا من تنمية حقيقية، وحين تُبنى الإنجازات على حساب المواطن لا لمصلحته، فإن منطق السوق يفقد مضمونه.

فهل يمكن اعتبار زيادة أرباح البنوك معيارًا للكفاءة، بينما تتضاعف معاناة المقترضين الصغار وتغيب المبادرات التي تخدم الاقتصاد الإنتاجي؟

ما تحتاجه المؤسسات ليس مديرًا يتقاضى أرقامًا خيالية، بل قائدًا يربط النجاح المالي بالمسؤولية الاجتماعية. فالأرباح بلا عدالة تتحول إلى صورةٍ من الجشع المشروع قانونًا والمرفوض أخلاقًا.

بين المنصب والرسالة

في بلدٍ محدود الموارد مثل الأردن، يصبح كل رقمٍ كبيرٍ رسالة. والراتب المليوني في مؤسسة مالية كبرى لا يُقرأ كإنجازٍ إداري، بل كإشارة على اتساع الفجوة بين قمة الهرم وقاعدته.

المؤسسات المصرفية لا تُقاس فقط بحجم أرباحها، بل أيضًا بمقدار ثقة الناس بها.

فحين يرى المواطن أن البنوك تزداد ثراءً فيما تتراجع فرص التمويل الصغيرة، تتآكل الثقة، وتتحول صورة البنك من "مؤسسة وطنية” إلى "شركة تبحث عن الربح المجرد”.

هذه المفارقة تُعيدنا إلى جوهر الفكرة: الإدارة ليست أجرًا، بل تكليف ومسؤولية.

المدير الذي يتقاضى راتبًا ضخمًا عليه أن يُقنع المجتمع أن نجاحه الشخصي انعكاسٌ لنجاح الناس، لا استثمارٌ في معاناتهم.

نحو توازنٍ أخلاقي

لن تُحل الأزمة بخفض رواتب المدراء فحسب، بل بإعادة تعريف معنى النجاح.

نجاح المؤسسة ليس في تراكم الأرقام، بل في قدرتها على أن تكون شريكًا في التنمية لا متفرجًا على الفقر.

فالقيادة الحقيقية ليست في امتلاك السلطة والراتب، بل في إحياء الإيمان بأن المال وسيلة لا غاية، وأن البنوك التي تقف على أرض هذا الوطن مطالبة بأن تشعر بنبضه قبل أن تحسب أرباحه.

في النهاية، القضية ليست ضد مدير بعينه، بل ضد منظومة تساوي بين الربح والجدارة.

من حق المدير أن يُكافأ، لكن من حق الوطن أيضًا أن يرى أثر تلك المكافأة في حياة الناس، لا في أرقام التقارير السنوية.

* كاتب ومحلل اقتصادي

قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : حين تتحول المكافأة إلى فجوة أخلاقية: هل يستحق المدير كلّ هذا الراتب؟! - تواصل نيوز, اليوم الأحد 12 أكتوبر 2025 10:36 مساءً

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق