أعاد جيل زد—المولودون بين منتصف التسعينيات ومنتصف العقد الأول من الألفية—صياغة معايير السفر حول العالم. فهذا الجيل لا يبحث فقط عن المتعة التقليدية أو الوجهات المشهورة، بل يميل إلى التجارب الأصيلة والمغامرات التي تحمل معنى شخصياً وتضيف إلى هويته وثقافته. ومع تطور التكنولوجيا، وارتفاع الوعي البيئي، وتغير أسلوب الحياة، أصبحت أولويات جيل زد مختلفة تمامًا عمّا سبق. وفي هذا المقال نستعرض بعمق ما يريده هذا الجيل من تجارب السفر، وما الذي يدفعه لاختيار وجهات معينة دون غيرها، وكيف يمكن لقطاع السياحة فهم احتياجاته المتغيرة.

التجارب الأصيلة… بحث عن المعنى وليس الصورة فقط

من السمات الأساسية لجيل زد هو بحثه عن التجارب الحقيقية غير المصطنعة. وعلى عكس الاعتقاد بأن هذا الجيل يسافر فقط لالتقاط الصور، تشير الاتجاهات العالمية إلى أنه يبحث عن التفاعل مع السكان المحليين، تجربة الأطعمة التقليدية، والمشاركة في أنشطة تعكس الثقافة الأصيلة للوجهة. يميل جيل زد إلى الهروب من الوجهات السياحية المزدحمة لصالح أماكن أكثر هدوءًا وأقل شهرة، حيث يشعر بأنه جزء من المجتمع المحلي وليس مجرد زائر عابر.
كما يحب هذا الجيل السفر البطيء، الذي يقوم على قضاء وقت أطول في وجهة واحدة وتعلّم مهارات جديدة، مثل الطهو المحلي، الحرف التقليدية، أو استكشاف الطبيعة بعيدًا عن المسارات التجارية. هذه الرغبة في المعنى تعكس اهتمامًا أكبر ببناء تجارب لها تأثير طويل الأمد، بدلاً من الرحلات السريعة التي تعتمد على “قائمة يجب زيارتها”.

القيمة مقابل التكلفة… جيل عملي لكنه لا يتنازل عن التجربة

رغم اهتمام جيل زد بالجودة والتجارب الفريدة، إلا أنه من أكثر الأجيال حساسية للسعر. فمعظمهم لا يزالون في بداية حياتهم المهنية أو يعتمدون على ميزانيات محدودة، مما يجعلهم يبحثون عن الأفضل بأقل تكلفة ممكنة.
يُفضّل جيل زد الإقامات الاقتصادية مثل بيوت الضيافة، الشقق المشتركة، وأماكن الإقامة المستدامة التي تقدم قيمة حقيقية دون مبالغة. وفي الوقت نفسه، لا يترددون في دفع مبلغ أعلى إذا كانت التجربة فريدة وممتلئة بالتفاعل أو المغامرة.
كما يعتمد الجيل بشكل كبير على التقييمات الرقمية وتجارب غيره من المسافرين عبر منصات مثل TikTok، YouTube، وInstagram، قبل اتخاذ قراراتهم، مما يجعل الشفافية والمصداقية عاملين أساسيين في اختياراتهم.
ويُلاحظ أن هذا الجيل يخطط لرحلات قصيرة ومتكررة بدلًا من رحلات طويلة ومكلفة، لكون ذلك يمنحه شعورًا بالتجديد المستمر دون إرهاق الميزانية.

الاستدامة والتقنية… سفر متصل بالقيم والعالم الرقمي

جيل زد هو الأكثر وعيًا بالبيئة في تاريخ السفر الحديث، حيث يفضّل الوجهات التي تدعم الممارسات المستدامة، مثل الحد من البلاستيك أحادي الاستخدام، الحفاظ على الطبيعة، ودعم المجتمعات الريفية. ويبحث هذا الجيل عن الأنشطة البيئية مثل التخييم المسؤول، زراعة الأشجار، أو التطوع في حماية الحياة البرية.
في الوقت نفسه، يلعب العالم الرقمي دورًا محوريًا في تخطيط رحلاتهم. فهم يعتمدون على التطبيقات لحجز الإقامة والتنقل، واستخدام الخرائط الرقمية، وحتى إنشاء خطط سفر لحظية اعتمادًا على توصيات الذكاء الاصطناعي. كما يحب جيل زد المزج بين الواقع الحقيقي والرقمي عبر حضور فعاليات تفاعلية أو زيارة أماكن اشتهرت في الألعاب أو المسلسلات.
ولا يكتمل سفرهم بدون الاتصال الدائم بالإنترنت، حيث يعد توثيق التجربة جزءًا من المتعة، لكنه ليس الهدف الأساسي. وغالبًا ما يفضلون وجهات توفر إنترنت سريعًا وبيئة آمنة رقمياً ومكانًا يلائم العمل عن بُعد.

جيل زد لا يسافر للهروب من الواقع؛ بل يسافر لفهمه بطريقة أوسع. إنه جيل يبحث عن أصالة التجربة، قيمة التكلفة، واحترام البيئة، مع اعتماد ذكي على التكنولوجيا. ومع استمرار هذا الجيل في تشكيل مستقبل السياحة، سيحتاج القطاع إلى تطوير خدماته لتلبية توقعاته القائمة على المعنى والجودة والمرونة. وبقدر ما تختلف أولوياته، يظل هدفه ثابتًا: رحلة تعيش طويلًا في الذاكرة، وتضيف شيئًا جديدًا لحياته وهويته.