تُعد صربيا واحدة من الوجهات الأوروبية التي بدأت تبرز مؤخرًا على خريطة السياحة لدى المسافرين العرب، بفضل مزيجها الفريد بين التاريخ العريق، والطبيعة الساحرة، والأسعار التي تُعد من الأكثر معقولية في القارة. هذه الدولة الواقعة في قلب البلقان لا تطل على البحر، لكنها تعوض ذلك بمدن نابضة بالحياة وأنهار وجبال وغابات تحبس الأنفاس. والأجمل أنها ما زالت تحتفظ بأجواءها الأصيلة بعيدًا عن الازدحام السياحي الذي تعرفه الوجهات الأوروبية الشهيرة. من بلغراد الصاخبة إلى نوفو ساد الحالمة ومرورًا بمنتجعات الجبال في كوباونيك، يجد الزائر في صربيا مزيجًا متوازنًا بين الأصالة الأوروبية والراحة الحديثة.

بلغراد: مدينة تعيد تعريف التاريخ والحياة الليلية

العاصمة بلغراد هي أول محطة لكل مسافر إلى صربيا، وهي من أقدم المدن في أوروبا، إذ تقع عند التقاء نهري الدانوب وسافا، وقد شهدت عبر العصور حضارات متعددة تركت بصماتها على طرازها المعماري ومعالمها الثقافية. عند التجول في قلعة كالميغدان، يمكن للزائر أن يطل على النهرين من أعلى نقطة في المدينة، في مشهد يجسد التقاء الماضي بالحاضر. أما شارع كنيز ميهايلوفا، فهو القلب النابض للتسوق والمقاهي والمطاعم، حيث يمكن الاستمتاع بوجبات محلية لذيذة مثل الكباب الصربي “تشيفابي” أو المعجنات التقليدية “بورك”. وتشتهر بلغراد أيضًا بمشهدها الفني والموسيقي النابض بالحياة، إذ تنتشر النوادي والمقاهي على ضفاف النهر في مراكب عائمة تُعرف باسم “سبلافوفي”، ما يجعل المدينة وجهة مفضلة لعشاق الأجواء الليلية الأوروبية بأسعار أقل بكثير من نظيراتها الغربية.

نوفو ساد: العاصمة الثقافية الهادئة على نهر الدانوب

على بعد نحو ساعة ونصف شمال بلغراد، تقع نوفو ساد، ثاني أكبر مدن صربيا وواحدة من أكثرها أناقة وهدوءًا. تتميز المدينة بأجوائها الشبابية والثقافية، خاصة خلال مهرجان “إكزيت” الموسيقي الشهير الذي يقام في قلعة بيتروفارادين المطلة على الدانوب، والذي يُعد من أبرز الفعاليات الموسيقية في أوروبا. لكن المدينة ليست للموسيقى فقط؛ بل أيضًا للتاريخ والمعمار الكلاسيكي، حيث تنتشر المباني الملونة ذات الطابع النمساوي المجري، وتزدان الساحات بالكنائس والمتاحف والمقاهي الصغيرة. ولعشاق الطبيعة، يمكنهم الانطلاق في نزهة على ضفاف النهر أو زيارة القرى الريفية المحيطة بالمدينة التي تمنح الزائر لمحة عن بساطة الحياة في الريف الصربي، حيث تُقدَّم الأطعمة المحلية الطازجة في أجواء دافئة وودية.

الطبيعة والأسعار المعقولة: تجربة أوروبية بتكلفة أقل

ما يميز صربيا عن غيرها من الوجهات الأوروبية هو أنها تمنح الزائر كل مقومات الرحلة المثالية — التاريخ، الثقافة، الطبيعة، والضيافة — بتكلفة تقل كثيرًا عما هو معتاد في أوروبا الغربية. الإقامة في الفنادق أو النزل الريفية مريحة وأسعارها مناسبة، والمطاعم تقدم وجبات غنية ومتنوعة بأسعار معقولة. كما أن وسائل النقل الداخلية رخيصة وسهلة الاستخدام، سواء بالحافلات أو القطارات. أما لمن يبحث عن أجواء الجبال، فوجهة كوباونيك تُعد مثالية للتزلج في الشتاء أو للمشي واستكشاف المناظر الجبلية في الصيف. الطبيعة هنا نقية وهادئة، والهواء منعش، مما يجعلها ملاذًا حقيقيًا للراحة. وتُعتبر الضيافة الصربية من أكثر الجوانب تميزًا في التجربة، إذ يستقبل السكان الزوار بابتسامة ودفء يتركان انطباعًا لا يُنسى.

صربيا اليوم هي وجهة متكاملة للمسافرين العرب الباحثين عن التوازن بين الثقافة الأوروبية والتكلفة المنطقية. إنها بلد لا يزال يحافظ على طابعه الأصيل بعيدًا عن السياحة المفرطة، وتفتح أبوابها للزائرين لاكتشاف كنوزها التاريخية وطبيعتها الخلابة بروح ترحيبية صافية. سواء كنت تبحث عن رحلة مليئة بالتاريخ أو استراحة هادئة وسط الطبيعة أو تجربة ثقافية غنية دون إنفاق كبير، فإن صربيا قد تكون خيارك المثالي في قلب أوروبا.