نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
من حق تقرير المصير إلى شرعية المقاومة المسلحة : دراسة سياسية وقانونية (2/2) - تواصل نيوز, اليوم الأربعاء 15 أكتوبر 2025 11:12 صباحاً
الكاتب فايز محمد أبو شمالة - إذا كان الجزء الأول من هذا المقال قد عرض الأساس القانوني لحق تقرير المصير كما ورد في المواثيق والاتفاقيات والقرارات الأممية، فإن هذا الجزء الثاني يتناول ما هو أبعد: كيف تعاملت محكمة العدل الدولية وأجهزة الأمم المتحدة مع هذا الحق في التطبيق العملي، خاصة في القضية الفلسطينية، وكيف أصبح انتهاكه مبررًا مباشرًا لشرعية المقاومة المسلحة، كما أكّدت التجارب التاريخية للشعوب في الجزائر وجنوب أفريقيا وغيرها.
ومنذ بدايات عملها عقب الحرب العالمية الثانية، تعاملت محكمة العدل الدولية –بوصفها المرجع القضائي الأعلى في النظام الدولي– مع مقاومة الاحتلال الأجنبي باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من حق الشعوب في تقرير المصير. وقد استند هذا التوجه إلى التجربة الأوروبية نفسها، حيث عُدّت حركات المقاومة ضد الاحتلال النازي لبلدان أوروبا مثالًا حيًّا ومشروعًا على ممارسة هذا الحق. والمفارقة أن ما كان بالأمس مقبولًا ومشروعًا لليهود في إطار مقاومة النازية، يُراد اليوم إنكاره على الشعب الفلسطيني، رغم أن قضيته تمثل النموذج الأوضح للاحتلال الاستيطاني طويل الأمد.
في رأيها الاستشاري الصادر بتاريخ 9 تموز/ يوليو 2004 بشأن "الآثار القانونية الناشئة عن تشييد جدار في الأرض الفلسطينية المحتلة”، خلصت المحكمة إلى أن " تشييد الجدار الفاصل من قبل إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية ومحيطها، وإن نظامه المرتبط به، يتعارضان مع القانون الدولي.
ويشكّلان انتهاكًا لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، كما يخالفان التزامات إسرائيل بموجب القانون الدولي الإنساني، وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، وكذلك التزاماتها بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وعلى جميع الدول عدم الاعتراف بالوضع غير القانوني الناتج عن تشييد الجدار وعدم تقديم أي عون أو مساعدة في الإبقاء عليه "، وبهذا النص وضعت المحكمة المسألة في إطارها الدولي، مؤكدة أن الجدار ليس مجرد شأن أمني إسرائيلي، بل خرق لحق تقرير المصير، وأن مسؤولية إنهاء الوضع غير القانوني تقع على عاتق جميع الدول، لا على الفلسطينيين وحدهم. وفي 19 تموز/ يوليو 2024، أصدرت محكمة العدل الدولية رأيًا استشاريًا تاريخيًا أكدت فيه أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس الشرقية، يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.
وجاء في الفتوى: "إن استمرار وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة يشكّل انتهاكًا لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، ويتعارض مع مبادئ القانون الدولي المعاصرة. ويترتب على جميع الدول التزام قانوني بعدم الاعتراف بشرعية هذا الاحتلال وعدم تقديم أي دعم أو عون في استمراره، بل العمل على وضع حد له فورًا” وبهذا وضعت المحكمة الاحتلال في خانة "اللاشرعية المطلقة”، وربطت إنهاءه بمسؤولية جماعية تقع على عاتق المجتمع الدولي كله، ما يجعل مقاومة الاحتلال ليس حقًا للشعب الفلسطيني فحسب، بل واجبًا على المجتمع الدولي دعمه واحترامه. لقد ربطت محكمة العدل الدولية في أكثر من موضع بين انتهاك حق تقرير المصير وشرعية مقاومة الاحتلال.
ففي فتواها بشأن ناميبيا (1971) أكدت المحكمة أن استمرار الوجود الاستعماري "يشكّل انتهاكًا صارخًا لحق الشعب في تقرير المصير”، وهو ما فسّرته الأمم المتحدة لاحقًا باعتباره موجبًا لحق الشعوب في الكفاح لتحرير أرضها. ثم جاء الرأي الاستشاري بشأن الجدار العازل (2004) والرأي الاستشاري حول الاحتلال (2024) ليؤكدا أن الاحتلال الإسرائيلي نفسه يشكّل خرقًا لحق تقرير المصير، وأن على الدول التزامًا جماعيًا بإنهائه، والقاعدة المستقرة في الفقه الدولي أن انتهاك حق أساسي للشعوب –كحق تقرير المصير– يفتح الباب أمام جميع وسائل النضال بما فيها الكفاح المسلح، طالما فشلت الوسائل السلمية. هذا المبدأ لم يبقَ في إطار القضاء الدولي، بل عزّزته أجهزة الأمم المتحدة. فقد نصت الجمعية العامة في القرار 37/43 (1982) بوضوح على "شرعية كفاح الشعوب الواقعين تحت السيطرة الاستعمارية والأجنبية والعنصرية بجميع الوسائل المتاحة، بما فيها الكفاح المسلح”.
كما أكد مجلس حقوق الإنسان في أكثر من جلسة (خاصة في 2014 و2021) على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وشرعية مقاومته الاحتلال، بل إن دولًا عديدة في بياناتها الرسمية –مثل كوبا وجنوب أفريقيا وناميبيا وبوليفيا– اعتبرت المقاومة الفلسطينية استمرارًا طبيعيًا للمعارك التي خاضتها شعوبها ذاتها ضد الاستعمار.
وعليه، يصبح الربط مباشرًا: إذا كان الاحتلال خرقًا لحق تقرير المصير، فإن المقاومة المسلحة ليست فقط حقًا للشعوب، بل هي الوسيلة الأخيرة لتمكينها من ممارسة هذا الحق حين يعجز العالم عن إنفاذه بالطرق السلمية.
هذا ما فعلته الجزائر ضد فرنسا، وناميبيا ضد جنوب أفريقيا، وما أقرّته الشرعية الدولية ذاتها، وبالتالي فإن مقاومة الفلسطينيين المسلحة ليست خروجًا عن القانون الدولي، بل هي التطبيق الأوفى لجوهره، لأنها تهدف إلى استعادة الحرية والسيادة التي وُضع القانون الدولي لحمايتها. مثّل القرار 3236 (1974) حول القضية الفلسطينية نقطة تحوّل نوعية، إذ أكد "حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره دون تدخل خارجي، وحقه في الاستقلال الوطني والسيادة، وحق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجّروا منها” كما نص على أن الشعب الفلسطيني طرف رئيسي في إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط، واعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وبذلك انتقلت القضية الفلسطينية إلى مستوى جديد من الشرعية الدولية، حيث لم يعد النقاش يدور حول مبدأ الحق فقط، بل حول الوسائل والجهة الممثلة له. الجزائر خاضت نضالًا مريرًا استمر 132 عامًا ضد الاستعمار الفرنسي، وتُوِّج بثورة مسلحة منذ 1954. وقد اعترفت الأمم المتحدة بشرعية كفاح الشعب الجزائري، وصدر القرار 1573 (1960) والقرار 1725 (1961) اللذان أيدا حق الجزائريين في الاستقلال، حتى تحقق ذلك عام 1962.
أما جنوب أفريقيا فقد واجهت نظام الأبارتهايد العنصري، واعتمدت الجمعية العامة القرار 1761 (1962) الذي دعا الدول إلى مقاطعة النظام العنصري واعتبر الكفاح ضده مشروعًا، وقد حظيت حركة المؤتمر الوطني الأفريقي باعتراف العالم ممثلًا شرعيًا للشعب. وأما أوكرانيا فقد حصلت على دعم سياسي وعسكري واسع النطاق من الدول الغربية منذ 2014 بحجة الدفاع عن حقها في السيادة وتقرير المصير، بينما يُحرم الفلسطيني الذي يقاوم الاحتلال من هذا الدعم ويُصنَّف إرهابيًا.
وهذه المفارقة تفضح ازدواجية المعايير في النظام الدولي، حيث تصبح الشرعية مرهونة بالمصلحة السياسية لا بالقانون الدولي. وازدادت هذه الازدواجية وضوحًا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، حين سعت القوى الكبرى إلى فرض تعريف فضفاض للإرهاب شمل أحيانًا حركات التحرر الوطني، ومع ذلك، لم يَخْلُ القانون الدولي من الوضوح. ففي قرار الجمعية العامة 49/60 (1994) بشأن التدابير الرامية إلى القضاء على الإرهاب الدولي، فرّق النص بين "الأعمال الإرهابية” التي تُعرّف بأنها استهداف المدنيين عمدًا، وبين "نضال الشعوب من أجل التحرر وتقرير المصير” الذي لا يجوز وصمه بالإرهاب.
وعليه، فإن مقاومة الاحتلال لا تندرج في خانة الإرهاب طالما التزمت بالقانون الإنساني الدولي، أي الامتناع عن استهداف المدنيين عمدًا واحترام قواعد الحرب. وهذا ما يجعل المقاوم الفلسطيني الذي يلتزم بهذه الضوابط مقاتلًا شرعيًا يتمتع بوضعية أسرى الحرب إذا أُسر، بخلاف من يرتكب أعمالًا عدائية خارج هذه القواعد، هذا التمييز الحاسم يمنح المقاومة الفلسطينية غطاءً قانونيًا راسخًا، رغم محاولات الاحتلال وحلفائه إخفاءه. إن مراجعة الميثاق الأممي، والعهدين الدوليين، واتفاقيات جنيف، وقرارات الجمعية العامة، وفتاوى محكمة العدل الدولية، وتجارب الشعوب، تقود إلى حقيقة واحدة: المقاومة ليست خيارًا عابرًا، بل هي الوجه العملي لحق تقرير المصير وواجب على الشعوب التي تُسلب حريتها.
ومن يجرّم المقاومة الفلسطينية لا يقف ضد الفلسطينيين وحدهم، بل ضد روح القانون الدولي نفسه. فالمقاومة ليست إرهابًا، وإنما صرخة الشعوب في وجه الاحتلال، وحقها الأصيل في الحرية والسيادة والكرامة، ولو لم تُقرّ الشرائع الدولية بشرعية المقاومة ضد الاحتلال، لانتفت العدالة من القانون الدولي، ولما كان للمواثيق أي معنى.
قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : من حق تقرير المصير إلى شرعية المقاومة المسلحة : دراسة سياسية وقانونية (2/2) - تواصل نيوز, اليوم الأربعاء 15 أكتوبر 2025 11:12 صباحاً
0 تعليق