نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
سلام ترامب.. تكريس للاحتلال وتغييب للحق الفلسطيني - تواصل نيوز, اليوم الأربعاء 15 أكتوبر 2025 11:23 صباحاً
ما جرى في شرم الشيخ بالأمس لم يكن مؤتمرا للسلام بقدر ما كان عرضا استعلائيا أراد به الرئيس الأميركي أن يطل على العالم في هيئة الحاكم المطلق الذي بيده مفاتيح الحرب والسلم ومقاليد القرار في الشرق والغرب، تحدث من موقع السيد الذي يمنح ويمنع ويقرر مصائر الشعوب وكأنه الوصي على العالم بأسره، حملت تلك المشهدية رسالة واضحة ومباشرة من ترامب إلى الكون كله وبخاصة إلى العرب مفادها أن من يملك القوة يملك الحقيقة ومن يقف تحت المظلة الأميركية ينجو ومن يعارض يُقصى، ومنذ اللحظة الأولى لوصوله إلى أرض الكيان حين ألقى خطابه في الكنيست الإسرائيلي اتضحت الملامح وانكشفت النوايا فقد تحدث ترامب كأنه رئيس لدولة الاحتلال معلنا دعم أميركا المطلق لإسرائيل ومكرسا فكرة أن واشنطن والكيان وجهان لسياسة واحدة لا فاصل بينهما إلا الاسم
ومن هناك من على منبر الكنيست الذي لطالما شكل رمزا للهيمنة والإنكار انطلق نحو شرم الشيخ وكأنه ينتقل من دار الحكم إلى قاعة التنفيذ حاملا معه مشروعا أراد له أن يُقدم للعالم على أنه مبادرة سلام لكنه في الحقيقة كان مشروعا أميركيا خالصا صيغت بنوده في الغرف المغلقة وتم التوقيع عليه أمام عدسات العالم لتكريس واقع جديد في الشرق الأوسط
بدا ترامب في شرم الشيخ كما لو أنه صانع المجد يوزع الأدوار على من يشاء ويمنح التوقيع لمن يراه جزءا من مشهده فيما تُقصى الأصوات الحقيقية عن مقاعدها وتُغيب القضايا الكبرى عن صفحات الوثيقة التي حملت اسم السلام
في مشهد التوقيع وضع ترامب توقيعه إلى جانب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان والأمير تميم بن حمد، بينما اكتفى بقية الزعماء بالحضور وفي مقدمتهم الملك عبدالله الثاني والرئيس الفرنسي وقادة وممثلون عن دول عدة، غابت فلسطين صاحبة الحق وغابت إسرائيل المعتدية
كانت الصورة بليغة المعنى، فالاتفاقية لم تحمل روح السلام ولم تشر من قريب أو بعيد إلى جوهر الصراع ولم تتضمن أي نص يضمن انسحابا كاملا لإسرائيل من غزة ضمن جدول زمني محدد ولم تفرض التزاما بعدم شن عدوان جديد على الشعب الفلسطيني لم تتطرق إلى الجرائم التي ارتكبها الاحتلال في غزة ولا إلى آليات المحاسبة أو إعادة الإعمار، وكأن غزة خارج التاريخ وخارج ضمير العالم
أما الأردن فقد كان حضوره موقفا لا بروتوكولا، الملك عبدالله الثاني لم يكن من الموقعين وهو الأحق بأن يكون في صلب أي وثيقة تتعلق بفلسطين والقدس، فالأردن ما كان يوما هامشيا ولن يكون، هو الدولة التي خاضت حرب 48 ودافعت في 67 وانتزعت النصر في معركة الكرامة وهو الذي دفع الثمن وما زال يدفع من خلال استقباله ملايين اللاجئين الفلسطينيين، وهو الوصي الشرعي على القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية فكيف يُطوى دوره بهذا الإجحاف وكيف يُتجاهل صاحب الوصاية في مؤتمر يتحدث عن سلام لا يعترف بالقدس إلا عاصمة للاحتلال
لقد تحدث ترامب في كلمته عن إسرائيل العظمى وعن القدس العاصمة الأبدية، متجاهلا كل قرارات الشرعية الدولية التي أقرت بعروبة القدس وحرمت المساس بوضعها القانوني ضاربا عرض الحائط بأكثر من 150 دولة اعترفت بدولة فلسطين وحقها في تقرير المصير فإلى أي سلام كان يشير ترامب، أي سلام يُبنى على تغييب أصحاب الأرض وإنكار وجودهم وأي مستقبل يُراد للمنطقة إذا كان عنوان المرحلة سلام مقابل الاستسلام
إن ما جرى في شرم الشيخ ما هو الا خطوة جديدة في مشروع أميركي قديم يرمي إلى إعادة صياغة خريطة الشرق الأوسط وفق رؤية إسرائيلية خالصة، فالمؤتمر تجاهل الحديث عن حل الدولتين وتغافل عن ذكر الدولة الفلسطينية المستقلة بل لم يشر إلى حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم أو إقامة دولتهم على حدود الرابع من حزيران، كل ذلك مقابل تأكيد متكرر على أمن إسرائيل وكأن أمن الاحتلال مقدس فوق أمن الشعوب وحقوقها وكرامتها
لقد خلت الوثيقة من أي بند يلزم إسرائيل بإعادة إعمار ما دمرته في غزة أو بتحمل مسؤولية الدمار الشامل الذي طال الحجر والبشر ولم تُطرح أي آلية واضحة لتمويل إعادة الإعمار أو تحديد الجهات المسؤولة عن ذلك، فالدولة التي دمّرت هي ذاتها التي سُمح لها أن تبقى خارج طاولة المحاسبة والدولة التي دعمت العدوان ووفرت له الغطاء السياسي جاءت اليوم تتحدث عن السلام وكأنها راعية العدالة
وما يزيد المشهد غرابة أن غابت عن المؤتمر الأطراف المعنية مباشرة بالصراع، لا إسرائيل حضرت لتُسأل ولا فلسطين شاركت لتتحدث باسم شعبها، كذلك غابت السعودية وسوريا وعدد من الدول العربية المركزية وهو غياب يضعف أي وثيقة سلام ويجعلها مجرد بيان إعلامي بلا مضمون ولا ضمانات، فكيف يُبنى سلام دائم بغياب الأطراف الأساسية، وكيف يُفرض اتفاق لا يعترف به أصحاب القضية ولا يعتمده العالم العاقل
ولعل السؤال الأهم من يضمن التزام إسرائيل بأي اتفاق جديد، تاريخها حافل بخرق الاتفاقيات والتنكر لكل العهود الدولية، فمنذ قرار التقسيم رقم 181 لعام 1947 وقرار حق العودة رقم 194 لعام 1948 مرورا بالقرار 242 الصادر بعد حرب 67 ثم القرار 338 بعد حرب 73 وصولا إلى قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالاستيطان والجدار وجرائم الحرب، لم تلتزم إسرائيل بشيء بل تجاوزت كل القوانين والمواثيق بما فيها قرارات محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية، وحتى حين أدانها مجلس الأمن تدخلت أميركا بفيتوها الشهير لتُسقط القرارات وتُجهض العدالة فهل تكون الدولة التي تحمي الاحتلال وتبرر جرائمه هي ذاتها راعية السلام
إن ما يلوح في الأفق ليس سلاما بل إعادة تموضع أميركي إسرائيلي في المنطقة بعد حرب غزة لفرض واقع جديد يرسم مستقبل الدول العربية على مقاس المصالح الإسرائيلية، فالأردن سيبقى في مرمى الضغوط بحكم موقعه وحدوده ودوره المقدسي وسوريا ستظل رهينة الفوضى حتى تتطابق مع المعادلة الإسرائيلية وغزة ستُترك بين حصار وإعمار مشروط، أما الفلسطينيون في الضفة والداخل فسيواجهون مرحلة تهويد ممنهجة تحت غطاء ما يسمى بالسلام
في ضوء كل ذلك يصبح من الضروري إعادة صياغة الموقف الفلسطيني والعربي في وثيقة مطالب واضحة وثابتة تمثل الحد الأدنى من الحقوق التي لا يمكن التفريط بها وتشمل
الاعتراف الكامل بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وضمان الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية وحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم وفق القرار 194 ووقف الاستيطان وإزالة المستوطنات وإلزام إسرائيل بتحمل مسؤولية إعادة إعمار غزة وتعويض المتضررين وضمان الحماية الدولية للشعب الفلسطيني تحت مظلة الأمم المتحدة
ذلك هو السلام الحقيقي الذي يُبنى على العدالة لا على الوصاية، وعلى الاعتراف بالحق لا إنكاره
أما ما جرى في شرم الشيخ فليس سلاما بل محاولة لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بمداد القوة والغطرسة، سلام ترامب هو سلام القوة لا الحق، سلام الاحتلال لا التحرير، سلام يكرس العدوان ويُغيب فلسطين
لكنه مهما تجمل بالأضواء سيبقى بلا روح لأن الأرض لا تعترف إلا بمن يدافع عنها والتاريخ لا يكتب إلا لمن يصنعه بالكرامة والدم والحق
قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : سلام ترامب.. تكريس للاحتلال وتغييب للحق الفلسطيني - تواصل نيوز, اليوم الأربعاء 15 أكتوبر 2025 11:23 صباحاً
0 تعليق