نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ترامب ونتنياهو.. حين تحوّل العفو إلى اختبارٍ للدولة والقضاء #عاجل - تواصل نيوز, اليوم الأربعاء 15 أكتوبر 2025 01:37 مساءً
كتب زياد فرحان المجالي -
في صباحٍ مكتظ بالرموز السياسية في القدس، وقف دونالد ترامب أمام أعضاء الكنيست الإسرائيلي متحدثًا بلغةٍ تجمع بين الدبلوماسية والمسرح السياسي. وبين ضحكات الحضور وتصفيق النواب، أطلق عبارته التي دوّت كرصاصة في قاعةٍ تحكمها الرموز أكثر من الكلمات: «لدي فكرة، سيادة الرئيس، لماذا لا تمنحه عفوًا؟».
كان يقصد بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء المتهم بثلاث قضايا فساد، بينها تلقي هدايا ومزايا شخصية، والتي تلاحقه منذ عام 2020 في محاكمات طويلة ومعقدة. لم تكن الجملة جزءًا من نص الخطاب الرسمي، بل لحظة مرتجلة أعادت رسم حدود المشهد السياسي الإسرائيلي، وفتحت الباب أمام أسئلةٍ ثقيلة:
هل كانت تلك الدعوة جزءًا من جدول أعمال ترامب؟ وهل يستطيع القضاء الإسرائيلي أن يبقى صامدًا أمام ضغطٍ صادرٍ من أقرب حليف دولي؟
العفو في إسرائيل: قانون مقيد وتقاليد حساسة
لكي نفهم عمق المفارقة، علينا أن نعود إلى أصل القاعدة القانونية.
الرئيس الإسرائيلي يمتلك صلاحية منح العفو في حالات محددة، لكنها ليست مطلقة ولا تُمارس بقرار سياسي مباشر.
بل تُعد من الاستثناءات التي تخضع لتوازنٍ دقيق بين الاعتبارات القانونية والرمزية للدولة.
لكن نتنياهو لم يُدان بعد.
فالدعوة إلى منحه العفو قبل صدور حكم قضائي نهائي تُعدّ في المفهوم القانوني الإسرائيلي تدخّلًا مسبقًا في القضاء.
المحاكم لم تصدر أي موقف رسمي تجاه الدعوة، لأنها ببساطة لم تُقدَّم عبر المسار القانوني المعتاد، بل نُطقت شفهيًا من فوق منبرٍ سياسي على يد رئيس دولةٍ أجنبية.
القضاء الإسرائيلي، المعروف بتشدّده في حماية استقلاله، تجاهل الموجة الإعلامية التي أعقبت خطاب ترامب.
بل إن محكمةً محلية أعادت رفض طلبات الدفاع عن نتنياهو لتأجيل جلسات الاستماع، مؤكدةً أن «المحاكمة تُدار وفق القانون، لا وفق المزاج السياسي».
هكذا بدا الموقف القضائي حازمًا: لا خطوط حمراء أمام العدالة، ولا عفو قبل الإدانة، ولا حديث عن العفو قبل أن يُكتمل مسار المحاكمة.
بين العفوية والتخطيط السياسي
لكن، هل كان ترامب يخطط لقول ذلك؟ أم أن عبارته كانت انفجارًا تلقائيًا في لحظةٍ من التصفيق والارتجال؟
الجواب، كما تقول مصادر عبرية وأميركية متقاطعة، إن الجملة لم تكن مدرجة في نص الخطاب الأصلي.
ترامب أضافها بدافع اللحظة، ربما ليلعب الدور الذي يحبّ أداءه دائمًا: رجل المفاجآت الذي يخلق الحدث بالكلمة لا بالوثيقة.
إلا أن ذلك لا يعني أن الفكرة لم تكن تخطر بباله.
فمن يتابع سلوك ترامب السياسي يدرك أنه كثيرًا ما يزرع عباراتٍ غير محسوبة لتتحول لاحقًا إلى أدوات تفاوض أو أوراق ضغط.
العلاقة بين ترامب ونتنياهو ليست مجرد تحالف سياسي، بل صداقة عميقة ومصالح متداخلة.
ترامب لطالما دافع عن نتنياهو واعتبر محاكمته "مطاردة سياسية”، تمامًا كما يصف خصومه في واشنطن لملاحقاته القضائية.
إنه يرى في مصير نتنياهو صورةً معكوسةً لنفسه: زعيمٌ يواجه الدولة العميقة والإعلام والخصوم دفعة واحدة.
لذلك جاءت الدعوة إلى العفو كنوعٍ من "الانتصار الرمزي”، محاولة لإعادة الاعتبار لحليفٍ قديم أمام عدالةٍ لا تُجامل أحدًا.
لكن المراقبين في تل أبيب يرون الأمر بصورةٍ أخرى.
فالدعوة الأميركية وُصفت في الإعلام العبري بأنها تدخل سياسي في شؤون القضاء الإسرائيلي، وأنها كشفت هشاشة الفصل بين السياسة والعدالة داخل الدولة.
حتى داخل حزب الليكود، لم يبدُ الجميع مرتاحين لهذه المفاجأة، لأنهم يدركون أن قبول الرئيس الإسرائيلي بهذه الفكرة -إن حدث- سيعني مواجهةً مباشرة مع المحكمة العليا، ومع الرأي العام الذي يرى في الملف القضائي رمزًا لمعركة الدولة ضد الفساد.
القضاء الإسرائيلي أمام الامتحان
الخط الفاصل بين القضاء والسياسة في إسرائيل رفيع لكنه واضح.
فالقضاة يرفضون علنًا أي توجيه سياسي، ويديرون قضايا نتنياهو ضمن إطارٍ تقني صارم.
النيابة العامة، من جهتها، أصدرت في أكثر من مناسبة تصريحات تفيد بأن العدالة «لن تتأثر بخطابات سياسية من خارج الحدود».
وهنا تكمن المفارقة: إسرائيل التي تباهي العالم باستقلال قضائها، تجد نفسها اليوم في اختبار غير مسبوق، بين احترام سيادة القانون من جهة، وبين ضغوط حليفها الأكبر الذي يتحدث باسم "العدالة على طريقته”.
لا شك أن ترامب يدرك حساسية القضاء الإسرائيلي، وربما أراد أن يرسل رسالة مزدوجة: دعم شخصي لنتنياهو، وتذكير للقيادة الإسرائيلية بأن الولاء السياسي له ثمن حتى داخل قاعات المحاكم.
رمزية اللحظة وتأثيرها السياسي
قد لا يُنفّذ العفو أبدًا، لكن الرمزية السياسية للعبارة تجاوزت فعلها القانوني.
فمجرد أن تُقال من رئيس أميركي داخل الكنيست، تُصبح حدثًا في الوعي الجمعي الإسرائيلي، وتتحول إلى نقطة نقاش بين أنصار نتنياهو وخصومه حول حدود الدولة العميقة وحدود الولاء.
الإعلام العبري انقسم بين من رأى في كلام ترامب «إهانة لسيادة القانون»، ومن اعتبره «إشارة وفاء من صديقٍ يعرف معنى المعركة».
لكن المؤكد أن تلك الجملة الصغيرة أضافت طبقة جديدة من الغموض إلى علاقة واشنطن بتل أبيب، وأعادت تعريف توازن القوة بين الحليفين.
ما وراء العفو: السياسة بوصفها محكمة أخرى
في جوهرها، الدعوة لم تكن قانونية بقدر ما كانت سياسية.
ترامب لم يكن يخاطب القضاة، بل الرأي العام الإسرائيلي.
أراد أن يذكّر أنصاره بأنه الزعيم الذي لا يخشى كسر القواعد، وأنه ما زال قادرًا على توجيه الأحداث في الشرق الأوسط بمجرد جملة.
وفي المقابل، منح نتنياهو فرصة لاستعادة لحظة دعمٍ معنوي وسط موجة من الاتهامات والملفات.
لكن السياسة ليست محكمة، والعفو في هذه الحالة ليس وثيقة، بل رمز لمعركةٍ أكبر: معركة الحفاظ على الشرعية في زمنٍ تتقاطع فيه العدالة مع المصالح، وتختلط فيه القوانين بالأهواء.
إلى أين تتجه الأمور؟
في حال قُدّم طلب العفو رسميًا، سيجد الرئيس الإسرائيلي نفسه بين نارين: ضغط أميركي من الخارج، وضغط شعبي وقضائي من الداخل.
قبول الطلب سيُشعل جدلاً دستوريًا حول حدود صلاحيات الرئاسة، ورفضه قد يُفسَّر كصفعة سياسية لترامب نفسه.
أما القضاء فسيبقى في موقع الدفاع عن استقلاله، مدركًا أن أي تنازل في هذه القضية سيُسجّل في التاريخ كأول خضوع لسلطة خارجية في شأنٍ قضائي داخلي.
أما ترامب، فقد حقق غايته: الجملة القصيرة التي قالها في لحظة تصفيق صاخب تحولت إلى محور حديث العالم، وأعادت خلط الأوراق بين السياسة والعدالة والدبلوماسية.
وهكذا يصبح السؤال الأهم ليس: هل سيُمنح نتنياهو العفو؟
بل: هل بقي للقضاء الإسرائيلي أن يظل حرًا حين يتحدث الحلفاء باسم العدالة؟
قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : ترامب ونتنياهو.. حين تحوّل العفو إلى اختبارٍ للدولة والقضاء #عاجل - تواصل نيوز, اليوم الأربعاء 15 أكتوبر 2025 01:37 مساءً
0 تعليق