بين واشنطن وطهران... مفاوضات نووية أم معركة جيوسياسية ‏اقتصادية على النفوذ والهيبة؟ - تواصل نيوز

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بين واشنطن وطهران... مفاوضات نووية أم معركة جيوسياسية ‏اقتصادية على النفوذ والهيبة؟ - تواصل نيوز, اليوم الأحد 8 يونيو 2025 12:30 مساءً

تواصل نيوز - رغم جولات المحادثات الست التي عقدت بين واشنطن وطهران للتوصل ‏إلى اتفاق نووي جديد، لا يزال التصعيد الكلامي متواصل بين الجانبين ‏مع إصرار إيران على حقها في التخصيب‎.‎

 

موقف حاسم يُجدّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب إطلاقه ومفاده: "لن نسمح لإيران ‏بأيّ تخصيب لليورانيوم". كما قال: "لن يخصبوا. إذا خصبوا اليورانيوم ‏فسنضطر إلى اللجوء لطريقة أخرى"، في تلميح إلى ضربة عسكرية ضد ‏المواقع النووية الإيرانية في حال فشل الاتفاق.‏

يأتي ذلك، رغم تقارير تفيد بأن الاتفاق الذي اقترحته واشنطن سيسمح ‏لطهران بالتخصيب بمستويات منخفضة ولفترة مؤقتة. إذ كشفت مصادر ‏أميركية مطلعة أن مقترح الاتفاق النووي الذي قدمته الولايات المتحدة ‏لإيران، سيسمح لطهران بقدرة محدودة على تخصيب اليورانيوم على ‏مستوى منخفض لفترة من الزمن، وفق ما ذكر موقع "أكسيوس". ‏

في المقابل تتمسّك طهران بموقفها القائل: "لن نتنازل عن حقوقنا ‏المشروعة في تخصيب اليورانيوم"، بالتالي تكثر التكهّنات عن مصير ‏وجدوى المحادثات في ظل التراشق الكلامي الحاصل. ‏

 

ستيف ويتكوف وعباس عراقجي (وكالات)

 

 

وفي قراءته لهذه المواقف التصعيدية وتأثيرها على سير المفاوضات، ‏يقول الباحث في الشؤون الإيرانية الدكتور خالد الحاج لـ"النهار": " يُعَدّ ‏التصعيد الكلامي القائم حاليا بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران ‏مؤشِّراً واضحاً على دخول مرحلة جديدة من التفاوض النووي، تختلف ‏جذرياً عن اتفاق عام 2015. فموازين القوى تغيَّرت، واللاعبون ‏الإقليميون والدوليون باتوا أكثر تورطًاً وتشابكاً".‏

 

يضيف: "ومع ذلك، يميل ميزان التفاوض اليوم بوضوح لصالح إيران، ‏التي تستفيد من جملة تطورات دولية، على رأسها تعقيدات الملف ‏الروسي–الأوكراني، والصدمات الاقتصادية التي أحدثها الرئيس ‏الأميركي دونالد ترامب عبر سياساته الجمركية، إضافةً إلى إخفاقه في ‏تحقيق نتائج ملموسة بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا أو وقف العدوان ‏على غزة، فضلًا عن تراجعه عن بعض أولوياته الاقتصادية السابقة".‏

 

أمام هذا الواقع، يعتبر الحاج أن "إيران فهمت موقعها الجديد وبدأت ‏تتدلّل سياسياً، وهو ما ظهر جلياً عبر انسحاب واشنطن من التنسيق ‏العسكري مع إسرائيل بشأن توجيه ضربة مباشرة لإيران، ووقف الإعداد ‏لمجموعة جديدة من العقوبات الاقتصادية. بعبارة أخرى، رأت طهران ‏التحوُّل الاستراتيجي الأميركي بذكاء، وأدركت أن ترامب، المحاصر ‏داخلياً بجملة من الإخفاقات، بات في حاجة إلى "نصر خارجي" يعيد له ‏جزءاً من الهيبة السياسية التي فقدها في أكثر من ميدان". ‏

 

 

طاولة مفاوضات تجمع أميركا وإيران (وكالات)

طاولة مفاوضات تجمع أميركا وإيران (وكالات)

 

 

ويتابع: "لقد شكَّل هذا التوازن المتقاطع بين ضغوط واشنطن المتصاعدة ‏وحاجة ترامب الماسة إلى إنجاز خارجي أرضيةً لإيران لكي تزيد من ‏سقف مطالبها في المفاوضات. فبينما ترفع طهران مستوى تخصيب ‏اليورانيوم بصورة تدريجية، تبدي في الوقت ذاته نوعاً من المرونة ‏الاقتصادية اللافتة، فتلوّح بتقديم تسهيلات واسعة النطاق للشركات ‏الأميركية الكبرى في حال توصُّل الأطراف إلى اتفاق. وتُشير بعض ‏المعلومات إلى إمكانية إبرام صفقة اقتصادية ضخمة قد تتجاوز قيمتها ‏التريليون دولار (بل أكثر) تعيد السوق الإيرانية إلى قلب شبكة التصدير ‏والاستيراد العالمية وتمنح دفعة قوية للاقتصاد الأميركي". ‏

 

وبحسب الحاج، "هذه المعادلة الدقيقة -  تشدّد نووي مقابل انفتاح ‏اقتصادي - هي ما يمنح طهران اليد الأشدّ فاعلية في طاولة التفاوض. ‏فعلى الرغم من أن المحادثات غير المباشرة التي تجرى في عمّان أو ‏روما لم تُسفر عن نتائج ملموسة ظاهريّاً، فإن المؤشرات تؤكّد أن ‏الطرفين قد قطعا أشواطًا مهمة في عدد من الملفات الفنية والإجرائية".‏

 

 

ويوضح "ليست المسألة تقنية فحسب، بل هي ميدان جيوسياسي واسع. ‏فطهران تراهن اليوم على علاقاتها المتينة مع موسكو وبكين، وتمدّ يَدَها ‏اقتصاديّاً إلى أوروبا عبر بوابة الصين الكبرى. وتُدرك واشنطن جيداً أن ‏أي إعادة اندماج إيراني في منظومة التصدير العالمية سيكون بمثابة ‏ضربة مزدوجة: تخفيف لعزلة طهران الاقتصادية من جهة، وفتح فُرَصٍ ‏تنافسية هائلة للشركات الأميركية على حساب حلفاء واشنطن التقليديين ‏في أوروبا، واللعب في ساحة بكين وموسكو".‏

 

 

في المقابل، يذكّر الحاج بأن "ترامب يعاني من ضغوط داخلية متجددة، ‏في ظل تراجع شعبيته على خلفية إخفاقه في تحقيق الوعود الكبيرة التي ‏أطلقها. وتلعب إيران على هذه الحقيقة، فتدرك جيداً أن أي اتفاق نووي ‏يتيح لها رفع العقوبات سيمثل انتصاراً سياسياً مؤثراً لإدارة البيت ‏الأبيض أمام الناخبين، رغم الهشاشة الواضحة في أوراق ترامب ‏الخارجية والداخلية". ‏

 

من الجدير بالذكر أن طهران خسرت في الفترة الماضية عددا من ‏الأوراق الاستراتيجية على الأرض، سواء عسكرياً في سوريا ولبنان ‏وغزة واليمن، أو دبلوماسياً أمام بعض الدول الإقليمية التي بدأت تتحوّل ‏ببطء نحو مواقف أكثر تحفظًا إزاء الدور الإيراني كالعراق، بحسب ‏الحاج. غير أن "هذه الخسائر الميدانية يدفعها الى تعوِّيضها اليوم بقطع ‏شوط في مفاوضات قد تعيد إليها جزءاً من توازنها الاقليمي والاقتصادي. ‏وقد بدا ذلك واضحاً من خلال رفع سقف المطالب النووية واشتراط منح ‏تحفيزات اقتصادية ضخمة قبل اتخاذ أي خطوات استسلامية"، وفقاً ‏للحاج.  ‏

 

ويمضي قائلاً: " لكن المثير في الأمر أن إيران لا تسعى إلاّ إلى ‏ضمانات قابلة للقياس - إما عبر رفع سريع للعقوبات عن قطاعات النفط ‏والغاز والتكنولوجيا، أو عبر توقيع اتفاقيات استثمار تضمن لها انعاشاً ‏اقتصاديّاً سريعاً. وهذا الضغط الذي تمارسه طهران، إن وُفِّقت في ‏استغلاله، قد يعيدها إلى واجهة الشرعنة الاقتصادية العالمية". وبرأي ‏الحاج، "لن تقتصر انعكاسات الاتفاق على ملفات الطاقة والاستثمار فقط، ‏بل ستطال خريطة التوازنات الأمنية. فمع رفع العقوبات تدريجيّاً عن ‏طهران، ستستعيد الحرس الثوري الإيراني- بشبكته الاقتصادية والمالية ‏المعقدة - قدرته على إعادة نشاطه".‏

 

 

إيران متمسّكة بحقّها بالتخصيب (وكالات)

إيران متمسّكة بحقّها بالتخصيب (وكالات)

 

 

في الخلاصة، يؤكّد الحاج "نحن أمام مفاوضات غير تقليدية لا تقتصر ‏على تفاصيل فنية حول نسب التخصيب ومواقع الرقابة، بل هي معركة ‏جيوسياسية اقتصادية كبرى على النفوذ والهيبة. وبينما تراهن إيران على ‏سياسة النفس الطويل ورفع السقف النووي، فإنها في الوقت ذاته تحافظ ‏على خيط تفاوضي يعطيها هامشاً تشتري به وقتاً وتجمع أوراقاً. ‏بالمقابل، ستجد واشنطن نفسها مضطرة إلى إعطاء طهران بعض من ‏النفوذ مقابل عقود استثمارية".‏

ويختم الحاج بالقول: "بالتالي، ستخرج منطقتنا، بعد توقيع أي اتفاق ‏شامل، بحقيقة جديدة: تمهيد لحقبة من الصراعات الاقتصادية المباشرة، ‏وولادة جبهة لا تقل تعقيداً عمّا شهدته العقود السابقة. إيران، التي خسرت ‏أوراقاً كثيرة على الأرض في الفترة الماضية، يبدو أنها تتجه لتعوِّضها ‏اليوم عبر طاولة المفاوضات".‏

 

وبين طموحات رفع السقف النووي وضغوط الحصار الاقتصادي تتقاطع ‏مصالح متعددة في ميدان المحادثات النووية. فهل تكون هذه المفاوضات ‏مفتاحاً لحقبة جديدة من الاستقرار والتوازن أم مجرد مقدّمة لجولة جديدة ‏من الصراعات التي تلوح في أفق المنطقة؟

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق