ملاك وجيه شميطلي 

لنبدأ من هنا: هل القوّة هي الكلمة التي تعبِّر حقاًعن المرأة؟ وهل فعلاً القوّةُ تعني ما تريده المرأة؟ 
في كثيرٍ من الأحيان، يرتبط مصطلح القوّة بالحماية، والحماية غالباً ما ترتبط بالرجل. وهنا يبرز التساؤل: هل القوّة بهذا المعنى تُرضي المرأة، أم أنّها تفرض عليها أعباء جديدة؟
نتساءل أيضاً: هل المرأة تسعى فعلاً إلى صراعٍ مع الرجل؟ أم أنّ مصطلح المرأة القويّة المستقلّة حمَّل المرأة أعباءً فوق طاقتها؟ فالمسألةُ ليست مجرّد سعيٍ الى الاستقلاليّة، بل هي أيضاً بحث عن توازنٍ حقيقيٍّ يضمن للمرأة أن تحتفظ بهويّتها من دون أن تتنازل عن أنوثتها. فالتمكين الحقيقيّ لا يقتصر على القدرة على اتّخاذ القرارات بمفردها، بل يشمل أيضاً أن تجد المرأة الراحة في كونها امرأةً، وأن تستطيع التوفيق بين القوّة والنعومة في حياتها اليوميّة.
●المرأة وشعار القويّة المستقلّة
شعار المرأة القويّة المستقلّة رمز للتحرّرِ والتمكين، ولكن هل فعلاً حقّقت المرأة ما أرادته من خلال هذا الشعار؟
كثيرات من النساءِ شعرن بأن هذا الشعار قد فرض عليهنّ أعباء إضافيّةً، وجعل من الاستقلال الماليّ عبئاً ثقيلاً على كاهلهنّ، من دون أن يحقّق لهنّ التوازن المنشود بين العمل والأنوثة. فالمرأة اليوم مُطالَبة بأن تكون ناجحة في حياتها المهنيّة، قويّة في مواجهة التحدّيات، مستقلّةً ماليّاً، وفي الوقتِ نفسه محافظةً على دورها الاجتماعيّ والعائليّ. هذا المزيج أحياناً يخلق ضغطاً نفسيّاً وجسديّاً، ويجعل البعض يتساءلن: هل شعار القويّة المستقلّة مفيد أم أنه فرض عليهنّ مسؤوليّاتٍ إضافيّة؟
وفي بعضِ الدول، مثل إسبانيا، تمّ الاعترافُ بحقّ المرأة في الحصولِ على إجازةٍ خلال دورتها الشهريّة، ممّا يعكس تقدير الطبيعةِ الأنثويّة واحترامها، ويشير إلى أنّ التوازن بين القوّة والأنوثة أمر ضروريّ لتحقيق رفاهيّة المرأة.
●الصراع بين الرجل والمرأة
من المهمّ أن نؤكد ونعيد التأكيد أنّ المرأة لا تسعى إلى الصراعِ مع الرجل، فالرجل والمرأة يُكمّلان بعضهما البعض. فالمرأة تمتلك جوانب قوّة خاصّة بها، تختلف عن الرجل، وفي المقابل لا يمكن الرجل أن يستغني عن
المرأة لتكامله. هذا التوازن البيولوجيّ والاجتماعيّ يضمن لكلّ منهما أن يحتفظا بهويتيهما، من دون أن يضحّي أحدهما بالآخر. قد يساء فهم الاستقلاليّة أحياناً على أنها دعوة الى المنافسةِ أو التفوّق على الرجل، لكن الحقيقة أن التكامل هو ما يجعل العلاقة مثمرة، سواء في المنزل أو في العمل. فالمرأة تستطيع أن تكون قياديّة وفاعلة، وفي الوقت نفسه، تحافظ على الحساسيّة والمرونة التي تجعلُها داعمة لشريكها ومحيطها الاجتماعيّ.
●الحرية المالية والتوازن
سعي المرأة نحو الحريّة المالية لا يعني إطلاقاً التخلّيَ عن أنوثتها، بل هو خطوة نحو تحقيقِ الذات. ويجب أن يكون العمل متوازناً ومريحاً، بحيث لا تتعرّض المرأة لضغوطٍ تفوق طاقتها. كما أن المرأة قادرة على المشاركة مالياً مع شريك حياتها، من دون أن تكون هي القوّامة الوحيدة، مما يضمن توازناً في الأدوار ويخفّف من الضغط عليها. فالاستقلال المالي يمنح المرأة شعوراً بالتمكين، لكنه يصبح أكثر قيمة إذا كان مصحوباً بالوعي بالتوازن بين العمل والحياة الشخصيّة، وبين دورها كمحترفةٍ ودورها في المنزل والمجتمع.
دور المرأة في المجتمع وتوازن الأنوثة والقوّة
إلى جانب الاستقلاليّة والحرية المالية، للمرأة دور محوريّ في المجتمع، سواء من خلال العمل، أو التربية، أو المشاركة في الحياة الاجتماعيّة والسياسية. التحدّي يكمن في كيفيّة ممارسة هذه الأدوار من دون أن تفقد أنوثتها أو تشعر بثقَل المسؤوليّات.
التوازن هنا هو المفتاح: يمكن المرأة أن تكون قياديّة وفعّالة في المجتمع، وفي الوقت نفسه تحتفظ بحساسيتها وأنوثتها التي تميّزها عن الرجل. فالأنوثة ليست ضعفاً، بل هي قوّة تضيف بعداً إنسانياً وعاطفياً الى أيّ بيئة، وتجعل من المرأة عنصراً فاعلاً ومتكاملاً في المجتمع.

●توازن القوّة والأنوثة
دعونا نقول في نهاية المطاف، إن السعي نحو الاستقلاليّة والقوّة لا يعني أن تتخلّى المرأة عن أنوثتها، بل هو رحلة لتحقيق توازنٍ حقيقيٍّ بين القوّة والنعومة، بين العمل والحياة الشخصية، وبين دورها كمحترفةٍ ودورها كأمٍ أو شريكة. المجتمع المثاليّ هو الذي يقدّر المرأة لما هي عليه، لا لما يُفرض عليها أن تكونه، بحيث تعطى مساحة لتبرز قوّتها وإبداعها، وفي الوقت نفسه تحافظ على إحساسها وأنوثتها. فالأنوثة والقوّة معاً تخلقان بيئةً متوازنةً وملهمةً، تجعل المرأة قادرةً على التأثير وإحداث فرق حقيقيّ في المجتمع.