نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حمص على فوهة التوتر ودمشق أمام اختبار الاحتواء - تواصل نيوز, اليوم الثلاثاء 25 نوفمبر 2025 06:48 صباحاً
في توقيت محلي ودولي شديد الحساسية، وجدت حمص نفسها مجدداً على خط النار. جريمة قتل في بلدة زيدل جنوب المدينة، زوجان من قبيلة بني خالد يُعثَر عليهما مقتولين في منزلهما، وعلى الجدران شعارات طائفية كُتبت بدمائهما؛ كل ذلك كان كافياً لتحويل القرية إلى شرارة توتر عشائري وأمني كاد يخرج عن السيطرة.
خلال ساعات، تحولت الصدمة إلى هبّة مسلّحة: مجموعات من أبناء القبيلة توجّهت نحو أحياء ذات أغلبية علوية في حمص، أُطلقت النار، أُحرقت سيارات وممتلكات، وانتشرت حكايات متضاربة عمّا يجري، قبل أن تتدخل القوى الأمنية بفرض حظر تجوال واسع وتعليق الدوام المدرسي، في محاولة لالتقاط أنفاس المدينة ومنع الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة.
ومع انتشار القوى الأمنية في محيط زيدل، وفرض حظر التجوال في أحياء حمص، بدا واضحاً أن الجريمة لم تكن مجرد حادثة جنائية معزولة، بل لامست واحدة من أكثر النقاط هشاشة في المشهد السوري. فحمص، بتنوعها الطائفي والعشائري، تمثل خط صدع يمكن أن ينفجر في أي لحظة، خصوصاً بعد سنوات الحرب التي تركت وراءها تهجيراً واسعاً وذاكرة مثقلة بالانتقام. هذا التنوع الذي كان يوماً مصدر غنى اجتماعي، تحوّل بفعل التراكمات إلى هشاشة دائمة، تجعل أي حادثة قابلة للتحول إلى أزمة وطنية.
تعزيز أمني تشهده بلدة زيدل وعدة مناطق جنوب مدينة حمص، حيث باشرت قوى الأمن الداخلي رفع مستوى الجاهزية وتنفيذ انتشار مكثف داخل هذه المناطق ومحيطها، لضمان الأمن وحماية الاستقرار ومنع أي استغلال للحادثة لإثارة الفتنة، عقب وقوع جريمة قتل رجل وزوجته. pic.twitter.com/bbvmq3VvEb
— وزارة الداخلية السورية (@syrianmoi) November 23, 2025
السلطة السورية حاولت الإمساك بخيط الرواية سريعاً. وزارة الداخلية نفت وجود دليل على الطابع الطائفي للجريمة، واعتبرت أن العبارات وُضعت "للتضليل"، مؤكدة أن التحقيقات مستمرة وأن من المبكر الحسم في خلفيات ما جرى. في المقابل، ظل الشارع يتعامل مع الحادثة بوصفها صدمة مضاعَفة: جريمة قتل بهذه البشاعة في بلدة صغيرة، ثم رد فعل مسلّح يقترب من حدود الفتنة.
ورغم الهدوء النسبي الذي شهدته بعض الأحياء ليلاً، قررت السلطات تمديد حظر التجوال حتى عصر الإثنين في عدد من أحياء حمص الجنوبية. هذا التمديد حمل إشارة واضحة إلى أن الإجراءات لم تكن شكلية، وأن طبقات التوتر الداخلية أعمق مما ظهر في الساعات الأولى، وهي تحتاج إلى مزيد من الاحتواء والوقت كي تهدأ.
في الوقت نفسه، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بحملات متبادلة غذّت التوتر بدل أن تخففه: تهويل ومبالغة من طرف يصوّر ما جرى كاعتداء طائفي واسع، وتبرير واستخفاف من طرف آخر يقلّل من خطورة الحادثة. وبين هذين الخطين بدا المدنيون، وهم الضحية الأولى، محاصَرين بين روايات متناقضة تزيد خوفهم وتضعهم في قلب أزمة لا يملكون السيطرة عليها.
سُجلت إصابات بين المدنيين مع عنصر أمن واحد على الأقل، نتيجة هذه الأحداث، وطالب المجلس الإسلامي العلوي الأعلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن بتدخل فوري وتشكيل لجنة تحقيق دولية، محذراً من أن أبناء الطائفة العلوية يعيشون منذ عام تحت خطر دائم.
وسط هذا المشهد، برزت العشائر كفاعل لا يمكن تجاهله. بيان بني خالد دان الجريمة، ودعا إلى ضبط النفس. لكن الهبّات العشائرية تبقى سيفاً ذا حدين؛ فهي قادرة على مساندة السلطة في ضبط الأمن، لكنها في لحظة الغضب تتحول إلى قوة مستقلة أسرع من أي قرار رسمي، كما حدث في السويداء حين تحولت الهبّة إلى مواجهة مفتوحة وُصفت بأنها "فخّ". وفي زيدل وحمص اليوم، تبدو المعادلة نفسها ماثلة؛ ما يبدأ كاستنفار انفعالي "لغسل العار" أو "أخذ الحق" يمكن أن ينتهي بفتح جبهة جديدة لا أحد يعرف كيف تُغلَق، ولا أين تتوقف تداعياتها جغرافياً وطائفياً.
على خط موازٍ، سارعت الأمم المتحدة إلى إعلان مراقبتها للوضع في حمص. فقد أكدت نائبة المبعوث الأممي نجاة رشدي أنها تتابع "عن كثب" التطورات المقلقة، مشددة على الحاجة الملحة لإعادة الهدوء وضمان حماية المدنيين واحترام سيادة القانون ومحاسبة المسؤولين عن أعمال العنف. جاء هذا الموقف بعد صدور القرار 2799 الذي أزال اسمَي الرئيس أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب من قوائم الإرهاب، واضعاً على عاتق السلطات السورية التزامات واضحة في حماية الأقليات وإثبات قدرتها على منع الانزلاق مجدداً إلى العنف الطائفي.
لكن خلفية المشهد لا تقتصر على الداخل. فالعوامل الإقليمية تتحرك في اتجاهات متقاطعة: تجميد مفاوضات الاتفاق الأمني مع إسرائيل، وإعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه منع تركيا من التمركز في وسط وجنوبي سوريا، وتصاعد الضغط على "حزب الله،" وتزايد الحديث في واشنطن عن تخفيف أو إلغاء قانون قيصر؛ كلها عناصر تجعل الأرض السورية، ووسطها على وجه الخصوص، ساحة جذابة لمن يريد خلط الأوراق أو تعطيل المسارات السياسية والاقتصادية. في هذا السياق، تبدو جريمة محلية في بلدة مثل زيدل فرصة ذهبية لمن يسعى إلى اختبار قدرة الدولة الجديدة على السيطرة، أو لتوجيه رسالة مفادها أن الداخل لا يزال هشاً بما يكفي لإفشال أي مشروع استقرار.
هكذا، تبدو حمص اليوم أكثر من مجرد مدينة؛ إنها ميزان حساس يختبر قدرة السوريين على العبور من منطق الحرب إلى منطق الدولة. نجاح السلطة في احتواء التوتر وتفكيك آليات التحريض وتجفيف منابع الهبّات العشائرية غير المنضبطة سيُقدَّم كدليل على إمكانية إعادة بناء الثقة، أما انفجار خطوط الصدع الكامنة فسيعيد فتح أبواب الحرب، ويمنح خصوم الداخل والخارج ذريعة جديدة لتعطيل أي مسار نحو التعافي الوطني.










0 تعليق