من واشنطن إلى بيت جن: كيف حوّلت إسرائيل الجنوب السّوري إلى ورقة ضغط مفتوحة؟ - تواصل نيوز

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
من واشنطن إلى بيت جن: كيف حوّلت إسرائيل الجنوب السّوري إلى ورقة ضغط مفتوحة؟ - تواصل نيوز, اليوم الاثنين 1 ديسمبر 2025 07:08 صباحاً

لم يكن ما جرى في بيت جن حادثة أمنية معزولة. سلسلة التطورات التي سبقت التوغّل الإسرائيلي تُظهر أننا أمام مسارٍ متكامل، تتحرّك فيه تل أبيب بخطوات محسوبة، وكأنها تُعيد هندسة الجنوب السوري على طريقتها، غير آبهةٍ بما إذا كانت دمشق مستعدة لاتفاق أو إن كانت واشنطن ترى في سوريا شريكاً محتملاً في محاربة الإرهاب.
منذ زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع لواشنطن، وما تخلّلها من إعلان انضمام سوريا إلى التحالف الدولي لمحاربة "داعش"، بدا المشهد كأنه يفتح باباً لعلاقة جديدة بين دمشق والعواصم الغربية. لكن إسرائيل قرأت ذلك الاتجاه بطريقة مختلفة تماماً: بالنسبة لها، أي انفتاح سوري–أميركي يعني احتمال استعادة دمشق جزءاً من حركتها الديبلوماسية، وربما تحصيل موقع متقدم في ملفات الحدود والأمن والجنوب. ولذلك لم تنتظر طويلاً. فبعد أيام قليلة، أعلنت إسرائيل تجميد المفاوضات الأمنية مع دمشق، ثم جاءت الزيارة الاستفزازية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للجبهة السورية، لتسبق التوغّل في بيت جن بساعات، وكأن الزيارة كانت خطوة تمهيدية تُحدِّد وجهة المرحلة المقبلة.

 

في التوغّل نفسه، بدا واضحاً أن تل أبيب لا تكترث كثيراً بهوية من قُتل أو من اشتُبه بهم. حتى حين ظهرت صور لبعض الضحايا بزيّ أمني رسمي، لم تمنح إسرائيل أي وزن لذلك. المهم في روايتها كان شيئاً واحداً فقط: “نلاحق عناصر في جماعة إسلامية”.
 التوصيف بحد ذاته كان كافياً لفتح الباب أمام سردية واسعة: الإرهاب، البنية الإسلامية المسلحة، التهديد الممتد من لبنان إلى سوريا، وربما — عن قصد أو بدونه — ربط دمشق نفسها بمجموعات إسلامية بعد ساعات فقط من توقيع ترامب قرار وضع فروع من الإخوان المسلمين على قوائم الإرهاب.

 

AFP__20251128__86FL8MJ__v1__MidRes__Syri

 

الأمر بدا كما لو أن تل أبيب تريد القول حتى لو دخلت دمشق في التحالف الدولي، فنحن قادرون على ربطها مع أطراف تعتبرها واشنطن إرهابية. وبالتالي فإن أي محاولة لتثبيت علاقتها مع الولايات المتحدة ستصطدم بواقع ميداني نصنعه نحن.

الأكثر دلالة أن الجماعة الإسلامية في لبنان سارعت إلى نفي أي علاقة لها بما حدث، وهو نفي يمكن قراءته بطريقتين: نفي واقعي لأن لا صلة لها فعلاً، أو نفي سياسي اضطراري لتجنب المرور تحت الموجة الأميركية الجديدة بعد التصنيف.
 في الحالتين، استفادت إسرائيل من الضباب: وجود جماعة؟ عدم وجودها؟ هذا ليس مهماً. المهم أن الذريعة صارت جاهزة، وأن الجنوب السوري أصبح إعلامياً على الأقل  مسرحاً محتملاً لـ«نشاط إسلامي مسلّح»، وهو عنوان يصلح لفتح عشرات العمليات لاحقاً.

إسرائيل تضغ دمشق أمام خيارين

بهذه الطريقة، تضع إسرائيل دمشق أمام خيارين كلاهما خاسر، فإن ردّت دمشق أو حاولت ضبط المنطقة بالقوة، اتُّهمت فوراً بأنها تواجه إسرائيل دفاعاً عن “جماعات إرهابية”. وإن صمتت، فهي عملياً تقبل بالواقع الجديد: توغّلات، ضربات، عمليات اعتقال، وما يرافقها من تثبيت لنفوذ إسرائيلي على خطوط الاشتباك القديمة.
في خلفية المشهد أيضاً صراع أوسع بين تركيا وإسرائيل على سوريا بمراحلها الجديدة. فمنطقة مثل بيت جن — حيث تنشط منذ سنوات مجموعات مسلّحة، بعضها كان على صلة بالحرس الثوري وبعضها اقترب لاحقاً من مجموعات ذات هوى إسلامي — قد تكون مجالاً مثالياً لتوظيف هذه الفوضى: فهل وصلت جماعات إلى تخوم الجولان بتسهيل تركي؟ وهل بعض الخلايا التي كانت تعمل تحت الغطاء الإيراني أعادت التموضع تحت أسماء جديدة؟

 لا أجوبة قطعية، لكن الاحتمالات كلها مفتوحة، وهذه المساحة الرمادية هي بالضبط ما تجيده تل أبيب: تحويل الاحتمال إلى ذريعة، والذريعة إلى سياسة.
من هنا تصبح عملية بيت جن أكثر من مجرد “كمين فاشل” تلاه قصف دموي. تصبح حلقة في سلسلة تقول من خلالها إسرائيل إنها ليست مستعجلة لأي اتفاق مع دمشق، وإن مشروعها الميداني اليوم يُعطيها أكثر مما يعطيها التفاوض:
 حدود مرسومة بالنار، جنوب منزوع القدرة السورية، وملف إرهاب يمكن فتحه وإغلاقه بحسب اللحظة السياسية.
دمشق من جهتها تدخل مرحلة أكثر حساسية: كل تقدم ديبلوماسي نحو واشنطن سيحتاج أن يمر من حقل ألغام إسرائيلي، وكل خطوة نحو استعادة الجنوب ستكون مرهونة بتجنب تهمة «التواطؤ مع الإرهاب».
 وفي هذه المساحة الضيقة، تنجح تل أبيب في خلق توازن جديد، توازن لا يحتاج لاتفاقات أو ضمانات، بل يكفيه أن تكون الفوضى قائمة والذرائع جاهزة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق