خالد الخلفات يقدّم رؤية نقدية لكتاب (وكأني لا زلت هناك) في لقاء الطفيلة الثقافي - تواصل نيوز

منوعات 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
خالد الخلفات يقدّم رؤية نقدية لكتاب (وكأني لا زلت هناك) في لقاء الطفيلة الثقافي - تواصل نيوز, اليوم الأربعاء 15 أكتوبر 2025 08:33 صباحاً

تواصل نيوز - وقدّم الدكتور الخلفات ورقة نقدية عن السيرة الذاتية للدكتور الربيحات، تاليا نصّها:

وكأني لا زلت هناك الجذور في عيمة والأغصان في كل مكان.

دراسة في السيرة الذاتية لمعالي د.صبري الربيحات

للأستاذ الدكتور خالد الخلفات

جامعة الطفيلة التقنية

في هذا الفضاء الرحب وحيث نرى المكان الذي انطلقت منه شخصية كاتب السيرة، عيمة وجبالها وأوديتها وصخورها، وطور أبوعليا وصافح وضباعة وارحاب، من هذه الأماكن انطلق معاليه؛ ليرسم لنا المكان بل الأمكنة الكثيرة في هذه القرية الوادعة الهادئة الطيبة بأهلها وناسها، أنا شخصيا أعرف معظم سكانها ولي أصدقاء كثيرون هنا.

من هنا انطلقت حكاية معاليه، ،عاش هنا ثم درس في الطفيلة، ثم صار في الجامعة الأردنية، ثم رحل بعيدا إلى أمريكا، وعاد حاملا درجة الدكتوراه، لكن عيمة الوطن الجذور بقيت في قلبه لا تغادره.

كاتب السيرة وقف عند المكان، عند الإنسان، يتتبع أدق التفاصيل، بل تفاصيل التفاصيل للإنسان في عيمة، الأم الأب الجيران، الشخصيات ذات الظرف الخاص في أزقة عيمة، حتى الذي كان يوقف الناس في الشوارع ثم يأذن لهم بالمرور، وحتى الشخص الذي يُعدّ وكالة أنباء صادقة، كان يستمع إليه؛ ليعرف ماذا يجري في عيمة ؟

أما المكان ففيه تفاصيل دقيقة، فبيت الفلاحين يرسم مكوناته وزواياه. بيت الوالد وكل زاوية فيه، فهو مقر أسرة صغيرة، متفاهمون على كل شيء، وكل له خصوصيته، والأدوار موزعة. وكذلك تفاصيل الأماكن الأخرى.

المدرسة في عيمة، يصفها ويصف صفه ومكانه بين الصفوف، ويقف عند إنسانها من مدير المدرسة إلى المعلم وائل العوران وعبدالرحيم السبايله ومرضي القطامين وغيرهم من المعلمين، كما تحدث عن آذن المدرسة الذي كان محبا للطلبة ودودا، كما ذكر أسماء زملائه في الصف من عيمة وضباعة وارحاب وغيرها.

وحين ينتقل إلى مدرسة الطفيلة الثانوية، يرصد كل شيء بذاكرة جميلة دقيقة، يتحدث عن المكان، ثم عن الإنسان من مدير المدرسة فؤاد العوران إلى المعلمين الذين درّسوه: سليمان القوابعة وسليمان الهريشات وسليمان الفريجات وسليمان عيسى أستاذ الرياضة وغيرهم، وتحدث عن آذن المدرسة سلمان العطيوي.

ثم انتقل إلى عمان ليدرس في الجامعة الأردنية، فيتحدث عنها وعن كلية التربية وأساتذتها، واللوزي رئيس الأمن الجامعي، الذي يهابه الطلبة، فرئيس الجامعة الدكتور عبد السلام المجالي، وتواضعه حيث ينزل إلى الصالة العباسية (مطعم الطلبة)، وينتظم في طابور الطلبة ويأكل من طعامهم. وفي كل مكان يكون فيه صاحب السيرة يذكر أدق التفاصيل منها: مديرية الأمن العام التي صار ضابطا فيها، ثم رحلته إلى أمريكا ووصفه للأماكن هناك، ثم عودته وتقاعده واستلامه الحقائب الوزارية.

أنا في الحقيقة عادة ما أبدأ حين يكون بين يدي رواية أو سيرة ذاتية أو غير ذلك، أقف عند الغلاف، فسيرة معاليه: (وكأني لا زلت هناك)، أقف الآن أمام الغلاف وقفة سيميائية. سيميائية اللون، سيميائية الصورة أفككها، سيميائية الخط لأدرسه ويحلله، والنص الذي اختاره معاليه في الغلاف الأخير؛ ليكون مفتاحا للنص الكبير(السيرة).

فاللون الصحراوي خلفية الغلاف، لم يوضع عفو الخاطر، بل له غاية ربما لا يقصد الكاتب أو المصمم ذاك، الذي سأصل إليه، فهذا اللون هو لون الأرض في عيمة وجبالها وأوديتها، هو تراب ضباعة وارحاب وجبال عفرا، هو لون كل جبال الطفيلة، بل الجنوب كله، ليقول للناس: أنا من هذه الأرض. ومن هذا التراب بلونه الصحراوي الجاف، فقد ولدت هنا، وهنا عشت طفولتي وصباي. هنا كانت أجمل أيام عمري رغم قسوتها، هنا جذوري. وأنا ما زلت هنا حتى وإن كنت في عمان أو في أقصى بلدان العالم. أنا الآن في عمان والعالوك وتل القمر جسدا أما القلب ففي عيمة.

أما الخط الذي اختير ليكتب به العنوان والاسم، فهو خط مليء بالانحناءات والزوايا وأنصاف الدوائر، فلا تجد خطا مستقيما إلا في بعض قواعد الحروف، مثل حرف التاء والصاد والهاء والكاف. أما غير ذلك فدوائر ومنحنيات وأنصاف دوائر. تلك هي عيمة بوديانها وجبالها ومنحدراتها التي مشاها د.صبري حافيا وغير حافٍ، تلك هي حياة كاتب السيرة منذ طفولته وحتى ما وصل إليه الآن. طريق شاقّ وصعب، كان ينحت في الصخر حتى يحقق طموحاته، وكان له ذلك، دخل المدرسة حافيا لقد خانته زنوبة أخته. أبت أن تسمح له أن يدخل المدرسة منتعلا حذاءً، أرادت له أن يدخلها حافيا، وكان ذلك. كأنها تقول ادخل المدرسة حافيا، ستحتاج إلى كتابة هذا في يوم من الأيام، فلهذه الجملة مآلات قادمة، (دخلت المدرسة حافيا ثم صرت أستاذا ووزيرا)، وفي يوم ما حين مشى حافيا في شارع معبد لم يتحمل حرارة الطريق، فخرج عنها بحثا عن رصيف أقل حرارة فمشى وبقي ماشيا.

(وكأني لا زلت هناك) أو بالأدق لغويا (وكأنني ما زلت هناك) إشارة إلى تشبث الكاتب بالمكان عيمة، ثم الطفيلة وليس ذلك مهما، إنه لا ينظر إلى تراب عيمة فقط، بل ينظر إلى تراب الوطن، تراب الأرض أينما كان. فهذا التراب الذي روته دماء الشهداء منذ الحارث بن عمير الأزدي وفروة بن عمرو الجذامي القريب من هنا، وشهداء مؤتة وحتى شهداء الحروب الأخيرة من أجل فلسطين ثم معركة الكرامة وشهدائها.

والكاتب ظهر اسمه في أعلى الغلافين باللغة الإنجليزية، وهو وصف حقيقي لكاتب السيرة الذي يقبل الآخر مستمدا من عظمة هذه الأمة العربية الطاقة والقدرة على الانفتاح على الغرب بل كل العالم والتعايش معهم.

أما صورة صاحب السيرة فهو لم يرنا وجهه، كان ينظر إلى الأفق البعيد متأملا، ربما صوب فلسطين، ربما يستشرف المستقبل للأجيال القادمة.

من يعرف د. صبري يعرف أن هذه هي صورته. ويعرف أنه لم يرنا وجهه لأنه في سيرته لا يتحدث شخصه، بل يتحدث عن الجميع، عن الأردن والأردنيين، وهكذا سيراه من قرأ السيرة أو من سيقرأها لاحقا.

الكاتب يجلس على كرسي طويل، يسمح للآخرين أن يجلسوا معه، لم تكن كرسيا منفردا؛ ليفهم الناس أنه لن يقول: أنا الوحيد على هذا الكرسي. فصورة التواضع وحب الناس وتسامحه وتجاوز زلاتهم، جعلته محبا للآخرين متصالحا مع نفسه. بحثا عن فريق يعمل دون أن يكون هو رئيس الفريق، وهذا ما رأيناه حين صار وزيرا في المرة الأولى والثانية، رغم وجود قوى الشد العكسي. وحتى حين هجاه صديقه الشاعر أيام كان وزيرا للثقافة فهو حتى الآن لا يعرف لماذا هجاه؟

حتى في موقع آخر في السيرة فحين عاد من أمريكا في أول زيارة له للأردن، أحضر معه الهدايا، وكان من هذه الهدايا ساعة قدمها لأعز من يحب ، لم تعجبه الساعة وقال أنها تباع بالكيلو على سقف السيل. سكت معاليه وقرر ألا يأتي بهدايا في المرات القادمة.

والكرسي الطويل خطوطه مستقيمة، وتلك هي حياة معاليه يسير مستقيما بين الناس، وعرفوه كذلك لا يحب النفاق ولا المجاملات ولا الكذب، وهذا ما قرأته في سيرته التي جاءت في ٥٥٦ صفحة.

وعلى الغلاف الأول ظهر اسم العشيرة (الربيحات) في دائرة حمراء، ربما نسأل لماذا؟ وقد يكون الجواب هو أن هذه العشيرة كما هي كل عشائر الثوابية قدموا الغالي والنفيس قدموا دماءهم من أجل الوطن في معركة حد الدقيق انتصارا للثورة العربية الكبرى وما زالوا يقدمون.

أما أنا فأجعل له تفسيرا خاصا أن هذا اللون يمثل الدم الذي نزف من قدم معاليه حين نزل من السيارة التي تحمل الإسمنت بعد أن أفرغها، وكان أن جاءت قدمه على مسمار، فأخرجوه ثم عالجوه بالتعطيب والكي، ثم بالقهوة المطحونة حتى لا يلتهب، وفي اليوم التالي جاء الأول للعمل نزل في الساس وحفر التراب رغم ألمه، ورفعه إلى الأعلى، وعندما جاء رئيس الورشة أعجب بعمله، وتمنى د.صبري ألا يطلب منه الخروج من الخندق حتى لا يعلم أنه مصاب فيفقد فرصة العمل هذه.

وفي الغلاف الأخير ظهرت صورة كاتب السيرة صغيرة يظهر فيها وجهه؛ ليقارن القارئ بين صورته في الغلاف الأول، التي لا يظهر فيها وجهه، وصورته هنا، فإن كنت قد قرأت السيرة فها أنت تزيل العتمة في تلك الصورة المظلمة وسترى معالم وجهي.

ثم كتب على الغلاف الأخير نصا مفتاحيا لفهم النص الكبير(السيرة) يقول فيه:

"من قريتي الوادعة المحفوفة بالجبال، حيث البيوت لا تغلق، وأسطحها مسارح للأنس تحت ضوء القمر بدأت رحلتي. رحلة امتدت من مراعي الطفولة وأعمال الزراعة في عيمة إلى مدرجات الجامعة الأولى في عمان. فآفاق العالم الأرحب في كاليفورنيا حيث أعدت بناء أدواتي في التفكير والتعلم.

لم تكن المسارات مستقيمة، جربت التعليم ومارست العمل الشرطي، ثم انطلقت في دروب البحث الاجتماعي والسياسات العامة، والعمل الوزاري والإعلام والتواصل الإنساني في كل دور لعبته، وبقيت مراقبا شغوفا بالحياة، مشغولا بفهم الناس وأساليب تفكيرهم وأنماط علاقاتها. جمعتني الحياة بميادين متعددة من فصول المدارس ومراكز التدريب إلى مساحات العمل الحكومي والحوارات الدولية ومن الأرياف إلى العواصم. كنت حاضرا أتعلم وأساهم دون أن أغادر انتمائي الأول لجذوري، حيث بدأ كل شيء.

هذه السيرة ليست مجرد سرد لحياة، بل شهادة زمن وتأمل في معنى الانتماء والتعليم والتغيير والوفاء للبدايات "

وحين ندخل في صفحات هذه السيرة نراها مجموعة من الوثائق الاجتماعية والتاريخية والجغرافيا والسياسية والاقتصادية والتعليمية، توضح طبيعة الحياة التي عاشها الناس، منذ خمسينات القرن الماضي في عيمة والطفيلة والجنوب، بل هي وثائق تمثل حياة الأردنيين في كل قرية ومدينة في الجنوب أو الشمال. فالعالم الآن هو عالم الوثائق والأردن بحاجة إلى كل ذلك.

في الحقيقة قرأنا سيرا ذاتية لشخصيات أردنية كبيرة، كانت في مواقع المسؤولية، ولكننا كثيرا ما رأينا (الأنا المتضخمة) فيها، فصاحبها يتحدث عن نفسه وبطولاته ومواقفه، وكأنه المنقذ الأعظم في الوطن. لكننا نرى معالي د. صبري قليلا ما يتحدث عن نفسه، كان يتحدث عمن حوله، ويرسم معالم شخصياتهم بدءأ من والده ووالدته والأقارب، ومجتمع عيمة ورفاق الصبا، والشخصيات البسيطة في عيمة، ثم الحديث عن رفاق المدارس ورفاقه في الجامعات، وفي الأمن العام، ثم الحديث عن الشخصيات السياسية من رؤساء وزارات وأمراء ومن رافقهم في الوزارة وغيرهم، وكل هؤلاء يرسمهم بريشة رسام أو فنان أو عالم في الاجتماع، يهتم بأدق التفاصيل، بل تفاصيل التفاصيل.

في هذه السيرة لوحات اجتماعية ترسم معالم العائلة الصغيرة والكبيرة، مثل البيت الصغير مع والدته وأخواته، كيف هي العلاقة بينهما؟ وكيف يعيشون ووالدته هي الزوجة الثانية، وكأنها عاشت حالة من عدم الراحة مع زوجها، فلم يكن هناك إنصاف أو عدالة، فالتحضير لرمضان من مواد تموينية من لحم وغيره، لم تنصف والدة كاتب السيرة مع الزوجة الأولى، لكنها اكتفت بالصمت. وفي حاجة كاتب السيرة لرسوم رحلة مدرسية كانت تقول حيث لم يتوفر معها ما يكفي قالت: (روح اطلب من أبوك). وهذا قمة ما تصل إليه الزوجة من غضب، لكنها لم تبخل عليه بشيء، حتى أخواته فإحداهن قدمت ما لديها من مدخرات ليشتري أول سيارة يقتنيها. (السؤال هل أعدت لها ما استلفت منها؟)

وفي جوانب حياة الناس الاجتماعية حديث عن علاقات الناس ببعضهم في عيمة، في كيفية التكافل الاجتماعي، ودوره في الحد من ظاهرة الفقر والعوز، وخاصة في رمضان وتقديم الطعام للفقراء وتبادل أطباق الطعام بين الجيران.

ثم هناك في طيات السيرة حديث عن اهتمام أهل عيمة بطعام يعد بمناسبة يوم عاشوراء ولا أدري حقيقة ما قصته؟

في السيرة أيضا حديث عن الغولة، والغولة هذه نرى الحديث عنها في كل قرية أردنية، ويذكر المغارة التي يعتقد الناس أن الغولة فيها، ويذكر قصة أحد أبناء العمومة الذي أرسل الى المغارة ليلا لاختبار شجاعته، وما حدث معه. انا في عفرا كانت الغولة في عين ماء السدير، وحتى تصل إلى بيتنا يجب أن تمر من هذه الطريق، ويجب أن يكون مرورك قبل غروب الشمس، وإلا سترى الغولة التي لم نرها في يوم من الأيام، كنا نتخيلها امرأة عجوز ذات شعر أبيض منفوش مخيف فنخاف من سيرتها.

هذه السيرة فيها وثائق للحياة الاجتماعية تتمثل في رصد الكاتب للأغاني الشعبية التراثية التي تجري على الألسن في مواسم الأعراس والحصاد وغيرها من المناسبات .

ثم السيرة حافلة برصد أسماء الأطعمة، مثل المدقوقة والششبرك والرشوف، وغيرها ثم يذكر الكاتب بعض المصطلحات، مثل: النصمد ونصمد الحصادين والعرمة والروشن وغيرها.

كما رسم الكاتب صورا متعددة للحياة الاقتصادية في عيمة، مثل تعاون الناس في الحصاد، ودرس القش والحراثة وغيرها.

ووقف الكاتب في الحياة الاقتصادية عند صورة المرأة المنتجة التي اعتمدت على ذاتها، والمثال الذي يقدمه هو والدته، التي اعتمدت على زراعة أرض صغيرة تعود لأخيها، ثم تربية الطيور والدجاج؛ لتتصرف به حين الحاجة. وهي خياطة أيضا، وتأخذ أجرا على ذلك.

وخير مثال على رسم معلم من معالم الاعتماد على الذات، هو نفسه كاتب السيرة الذي عمل وهو طفل في ورش البناء والزراعة وغيرها، ثم كان يذهب إلى عمان في العطلة الصيفية للعمل، لكي يحصل على المال اللازم لتغطية حاجات عامه الدراسي القادم، لكنه لا ينسى أن يحضر الهدايا من عمان لأمه وأخواته. وكان يتحدث عن إبراهيم الربيحات، وطبيعة المساعدة التي يقدمها له في عمان وكيف يبيع ؟ وأين يجلس وسط سوق عمان؟ وكيف يتصرف؟ وماذا يبيع ؟

في هذه السيرة حديث عن بعض مظاهر الظلم من الفرسان، وجامعي الضرائب، الذين كانوا يطلبون الطعام بأعلى ما هو موجود في بيت هذا أو ذاك، ذبيحة مثلا أو ديكا، ويرصد كاتب السيرة دقائق ما يجري من حوار بين هؤلاء الفرسان والأهالي الذين يقتلهم الجوع، والفرسان ينهبون كل شيء بقوة ما يملكون من سلطة.

كان الكاتب يصف ما يجري من أحداث في الوطن مثل الانتخابات في القرية، وكيف تكون العلاقات بين الناس ونتائج الانتخابات، وما يحدث من مشاجرات. فتحدث عن الانتخابات التي فازت بها الدكتورة أدب السعود ونفاق الناس وكان يأخذ تقريرا مفصلا من أحدهم هذا كاذب وهذا صادق.

وتحدث كذلك عن زوجته السيدة نسرين حين نزلت للانتخابات في عمان ولكن لم يحالفها الحظ. (لو نزلت عندنا كان نجحناك)

ثم يتحدث الكاتب عن الحروب منذ عام ١٩٦٧م، ومعركة الكرامة سنة ١٩٦٨م، وأحداث أيلول عام ١٩٧٠م، وحرب أكتوبر عام ١٩٧٣م، وحتى الحرب على غزة ٧ أكتوبر.

كما رصد الكاتب تفجيرات عمان والأحداث الأخرى، مثل حرب العراق والكويت، وهجرة الناس إلى الأردن ومتابعته لهم في المخيمات، بصفته رجل أمن. وتحدث عن الكثير من القضايا التي واجهها الأردن بكل قوة واقتدار وصمود، ثم تحدث عن عمله وزيرا مرتين وماذا قدم في كل وزارة مع فريقه؟ ولم ينسب الفضل له مطلقا، بل كان ينسبه للفريق العامل معه.

أما الشخصيات التي وردت في السيرة فهي بالآلاف، وكما ذكر د.صبري في أحد اللقاءات المتلفزة فقد تجاوزت الثلاثة آلاف شخص، من عيمة إلى الطفيلة إلى عمان وكل مدن الأردن، حتى رفاقه في الجامعة ، ورفاقه وأساتذته في الجامعة في أمريكا، وبذكره للأسماء بهذه الدقة، تعكس ذاكرته القوية التي لم تنس شيئا ما شاء الله. وانعكست هذه الذاكرة أيضا في الحديث عن تفاصيل التفاصيل للأحداث التي مر بها، وللأحداث التي مرت على الوطن على الصعيد المحلي والوطني والعربي والعالمي.

وفي وصفه للشخصيات ـــــ كما قلنا ــــ يقف كأنه رسام ماهر، ومصور مبدع يخرج لهذه الشخصية أو تلك صورة ثلاثية الأبعاد. فيصف الوالدة مثلا ص16، وفي صفحات أخرى رسم لنا صفاتهاـــــ رحمها الله ـــــ وشخصيتها واستقلاليتها وعنادها وعقلها المتفتح وثقافتها، وحينما دار حوار بينها وبين ابنها صبري بعد أن سألها عن سبب تسميته بصبري، قالت: "كنت سميتك لؤي" فقلت: " ولم غيرته" فأجابت: (صبرت كثير وربنا عوضني فيك). ولهذه الجملة معاني كبيرة لا تحتملها هذه الحروف.

كما وصف بأدق التفاصيل بعض الشخصيات في عيمة وعمان مثل: علي الفناك، الذي يعرف كل شيء عن كل أهل عيمة، وهو من يأذن لك بالدخول إلى المكان وكأنه شرطي. وكذلك وصفه لإبراهيم الرعود، آذن المدرسة، ثم وصفه لعبدالكريم السعود الذي كان فاقدا لبصره، ومع ذلك يقوم بأعمال دقيقة مثل إضاءة اللوكس وإصلاح بابور الكاز، وكان يقول لمن يجلس حوله: (يا ريت تبعد عن الضوء)، ثم وصف لكنترول الباصات وسط عمان، ووصف سائق باص الهاشمي الجنوبي أيضا، وكيف يخفي كرشه؟

المؤلف وقف عند محطات كثيرة في حياته عندما كان وزيرا. تحدث عن التدخلات في عمله، عن مهرجان جرش وهو وزير، وكيف حوله لمهرجان الأردن، وما فعلته قوى الشد العكسي؟ وكيف انقلبت علاقته مع أحد الشعراء الأصدقاء؛ ليصبح هاجيا لمعاليه، وهو الصديق المقرب. وكيف انقلبت الصحف ضد الوزير؟ لكنه صبر وواجه كل شيء لإيمانه المطلق بأنه يريد أن يفعل شيئا عظيما للأردن .

وفي النهاية وفي صفحة ٥١٩ يقول بعد مقابلة أحد رؤساء الحكومات لإقناعه بتأسيس كلية جامعية، ولم يفلح وقد كان وزيرا لمرتين، موجها السؤال لنفسه: (كيف يصنع القرار في هذه البلاد؟)

ختاما وكأني لا زلت هناك، الجذور في عيمة، والأغصان نابضة بالحياة، غطت كل مكان وصل إليها صاحب السيرة، أما الأزهار الفواحة بالرائحة الزكية كانت عطرا فواحا لكل من عرف معاليه ، والثمار اليانعة أكلها كل محبيه.

قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : خالد الخلفات يقدّم رؤية نقدية لكتاب (وكأني لا زلت هناك) في لقاء الطفيلة الثقافي - تواصل نيوز, اليوم الأربعاء 15 أكتوبر 2025 08:33 صباحاً

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق