نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بارقة أمل تنير ظلامنا - تواصل نيوز, اليوم الاثنين 1 ديسمبر 2025 09:36 صباحاً
بقلم كارين شمعون شماس
اليوم الموعود. تظهر الملصقات على لوحات الإعلانات، تطغى للحظات على إعلانات الرقائق، وأحدث الهواتف، وأنهار الألماس، والبنوك. الوجه مبتسم، يوحي باللطف والرحمة. ومع ذلك، كلما عبر مجال رؤيتي، أقفز من الفرحة، مُفاجأًة. لا يزال عقلي مُبرمجًا على نمط فرانسوا.
أفكر في الرجل الذي، كل مساء أمام شاشة التلفزيون، يواجه كل تلك الصور، عليه أن يتحمل عذابًا. في الراعي الذي يتساءل كيف يقود قطيعه وصوته بالكاد يُسمع وسط ضجيج العالم. في الرجل الذي يُخاطب أقوياء هذا العالم، أولئك الفريسيين الذين لا يُصغون إليه. عن القس الذي يرى خرافه تبتلعها الأرض والمياه الهائجة، تُجبر على سلوك دروب المنفى القاسية في رحلات طويلة عبر الصحاري والأدغال والمحيطات، تموت جوعًا في مخيمات بائسة على أراضٍ قاحلة، تواجه اللامبالاة والكراهية في مجتمعات آلية لا إنسانية لها. عن الأب الذي يشاهد أبناءه يبيدون بعضهم بعضًا في موجة من العنف والإبداع التكنولوجي نادرًا ما يُضاهى.
هذا الرجل يأتي إلى أرضنا، أرض شهدت الأسوأ في نصف قرن فقط. هنا تجلّت كل بشاعة الإنسانية: الكراهية، العنف، المجازر، التصفيات، الفساد، الإفقار المتعمد، نفخة الشيطان على عاصمتها، الاستئصال والبتر الممنهج، الهدم الممنهج، والتهجير الخبيث لشعبٍ مُرتبك. نصف قرن تحت أنظار العالم، حتى أنهم أغلقوها أخيرًا، سئموا من رؤية الكثير.
ما الذي يبحث عنه الرجل ذو الرداء الأبيض في هذه الأراضي التي أحبها الرب، ملجأه حين خنقته الجليل؟ بضع ساعات مع مسؤولين لن يتركوا فيه أثرًا يُذكر. بضع ساعات في مستشفى الصليب ليذكر الجميع بأن جوهر الإيمان يكمن في الإنسان في أعمق أبعاده. بالأمس، المصابون بالجذام، واليوم، أولئك الذين لم يعد المجتمع يريد رؤيتهم، أولئك الذين لا يُصوَّرون على إنستغرام، أولئك الذين تعمل عقولهم في أبعاد مجهولة ويواجهوننا بحدودنا. بضع ساعات مع الشباب، تحت أنظار العذراء مريم، بضع ساعات ليفهم كيف نتحمل وكيف نتصرف.
وساعة واحدة، ساعة واحدة له. ما الذي يبحث عنه الرجل ذو الرداء الأبيض في هذا اللقاء الطويل وجهاً لوجه مع ناسكنا ذي الرداء الأسود؟ ما الذي يبحث عنه من يصلي تحت روعة كنيسة سيستين المذهبة في هذه الزنزانة المجردة من كل شيء؟ لعلّه، أمام جسامة مهمته، أمام هذه البشرية المريضة بالكبرياء، المتعطشة للسلطة، التي أعمتها الكراهية، يعلم أنه عاجز، وأنه يأتي طالبًا عون وشفاعة طبيبنا السماوي، ذاك الذي يملك القدرة على مخاطبة الرب مباشرةً.
باختياره زيارة حريصا وعنايا، قرّر الأب الأقدس تسليط الضوء على ركيزتي لبنان، اللتين حافظتا عليه طافيًا لنصف قرن: العذراء القديسة والناسك، اللتين تربطان اللبنانيين ببعضهم بلا شك. ومثل يوحنا بولس الثاني من قبله، أدرك لاوون الرابع عشر أن لبنان اليوم، بل أكثر من أمس، في قلب الإعصار الذي يجتاح العالم، يبقى رسالة. رسالة ربما ناقصة، رسالة هشة، لكنها رسالة يجب على العالم أن يسمعها، ويراها، ويفهمها. بعد عامين من حربٍ أحادية الجانب هزّت ارتداداتها العالم، في هذا المشرق المُعقّد، مهد الأديان، وعلى هذه الأرض الموعودة، من الجيّد تذكير هذه الشعوب المُختارة بأنّ رسالة الله الواحد القدير الرحيم، رسالة يهوه، تتلخص في الحب. أحبّوا واعملوا بمقتضاه. عسى أن تصل رسالته إلى القدير مع دويّ نعيق الجنوب. عسى أن نُصلّي وننال معجزةً لأنفسنا وللمنطقة في ليلة عيد الميلاد هذه، بارقة أملٍ تُنير عالمًا لا يزال يغرق في الظلام.









0 تعليق