عائد السلام وكلفة الحرب: من يصنع النمو العالمي في القرن الحادي والعشرين؟ - تواصل نيوز

منوعات 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
عائد السلام وكلفة الحرب: من يصنع النمو العالمي في القرن الحادي والعشرين؟ - تواصل نيوز, اليوم السبت 22 نوفمبر 2025 04:01 مساءً

تواصل نيوز - جو 24 :

بحث من إعداد المهندس سعيد بهاء المصري - السلام… حين يصبح بنية إنتاجية من السهل النظر إلى السلام باعتباره غيابًا للحرب فقط، لكن التجربة الاقتصادية العالمية عبر قرن كامل تكشف أن السلام ليس مجرد حالة سياسية؛ بل هو بيئة إنتاجية تولّد النمو، وتسمح بتراكم رأس المال، وتفتح المجال أمام التجارة والابتكار، وتبني شروط الازدهار التي لا يمكن للحرب—مهما رفعت من الإنفاق العسكري—أن توفّرها. 

الفترات التي انخفضت فيها الصراعات الكبرى، وشهد النظام الدولي فيها درجة من الاستقرار بين القوى العظمى، تحوّلت إلى محركات نمو عالمي، بينما الفترات التي سيطرت عليها الحروب الإقليمية أو الأهلية، أو توترات القوى الكبرى، أدت إلى تباطؤات حادة، أو انكماشات صريحة، كان يُعاد فيها توزيع الدخل العالمي لصالح قطاعات محدودة، على حساب التنمية البشرية والإنتاج الحقيقي. 

حقب الاضطراب: 

حين يتحوّل النمو إلى تذبذب وندوب طويلة الأمد كلما تمددت ساحات الصراع، انخفضت قدرة الاقتصاد العالمي على النمو. هذا النمط تجلّى بوضوح في الفترة الممتدة بين 1914 و1945 التي شهدت الحربين العالميتين والكساد الكبير.

 فقد بقي الناتج العالمي خلال هذه العقود الثلاثة متذبذبًا بعنف، يتراجع في سنوات الحرب، ويتعافى على استحياء بينهما، ليخرج العالم بعد 1945 أفقر بكثير مما تسمح به إمكاناته لو كانت تلك العقود سلمية.

 الحروب هنا لا تُلحق الضرر بالدول المتحاربة فقط، بل تقوّض النظام الاقتصادي الدولي نفسه: 

تنكمش التجارة، تُجمّد الاستثمارات، ينهار الطلب الاستهلاكي، وتُدمَّر القدرة الإنتاجية. حتى الدول غير المنخرطة مباشرة في الحرب تشعر بالارتدادات: ارتفاع أسعار السلع، اختناق خطوط الإمداد، وتراجع الثقة في الأسواق. 

ورغم أن بعض الصناعات—وخاصة السلاح والطاقة—تزدهر في زمن الحروب، إلا أن هذا الازدهار يظل منحصرًا في قطاعات محدودة لا تبني اقتصادًا عالميًا مستدامًا، بل تُعيد توزيع الدخل نحو نخب وقطاعات ريعية، فيما تتحمل الشعوب التكاليف. 

العصر الذهبي للنمو: 

حين يسمح السلام بتجميع القوة الإنتاجية للعالم مع نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية ما يمكن تسميته "السلام البارد”، انطلقت مرحلة استثنائية من النمو العالمي بين 1950 و1973.

 لم تكن هذه الحقبة خالية من الحروب الإقليمية، لكنها اتسمت بغياب الصدام المباشر بين القوى العظمى، وهو العامل الحاسم الذي سمح بتوجيه الجزء الأكبر من الموارد نحو الإنتاج المدني بدلًا من الإنفاق العسكري. 

في هذه الفترة تضاعفت دخول أوروبا الغربية عدة مرات، وارتفعت الإنتاجية العالمية بمعدلات غير مسبوقة، وبدأت موجة العمارة الحديثة، والتوسع الصناعي، وتوسع التجارة العالمية. 

هذا ما يُسمّى اقتصاديًا بـ "عائد السلام”، حين يوفر غياب الحرب الكبرى فرصة لتوجيه الجهد نحو البناء بدلًا من الهدم، ونحو البحث والتطوير بدل السلاح، ونحو البنية التحتية والتعليم والصناعة بدل الإنفاق العسكري الذي لا يُراكم الثروة طويلة الأمد. 

لقد أثبت التاريخ هنا أن السلام هو الذي يفصل بين "اقتصاد يعيش” و"اقتصاد ينتج ويتقدّم”.

 سلام العولمة:

 كيف صنعت التسعينيات موجة نمو جديدة؟ بعد نهاية الحرب الباردة، شهد العالم موجة ثانية من النمو المرتبط بانخفاض التوترات الدولية. انكمش سباق التسلح، وارتفعت التجارة العابرة للقارات، ونشأت سلاسل القيمة العالمية، وصعدت اقتصادات الصين والهند وجنوب شرق آسيا. في هذه المرحلة، التي تمتد من 1990 إلى 2007، كان النمو العالمي أعلى من العقود السابقة، وأقل تذبذبًا، وأكثر اتساعًا من حيث المستفيدين. 

المفارقة هنا واضحة: كلما اتسعت رقعة السلام الدولي، ازداد عدد الدول القادرة على الاندماج في الاقتصاد العالمي، وارتفع النمو العالمي، وتقلّص الفقر في دول كبرى.

 لقد صنعت العولمة—كنتاج مباشر للسلام النسبي—أكبر توسّع اقتصادي في التاريخ الحديث. 

العالم المضطرب اليوم:

 تأثير الحروب المتناثرة على النمو العالمي منذ 2008، ومع تتابع الحروب الإقليمية في الشرق الأوسط وأفريقيا، وعودة التوترات بين القوى الكبرى، وصولًا إلى الحرب الروسية–الأوكرانية، تراجع النمو العالمي إلى مستويات أقل من متوسطات العقود السابقة.

 الحرب الأوكرانية وحدها أعادت الاقتصاد العالمي "سنوات إلى الوراء” بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، واضطراب سلاسل التوريد، وعودة الإنفاق العسكري للواجهة.

 دول شرق أوروبا دخلت في حالة تباطؤ حاد، وأوكرانيا نفسها خسرت ما يقارب ثلث ناتجها في عام واحد. 

وفي الشرق الأوسط، أدت الحروب الأهلية المتعددة إلى تمزيق بنى إنتاجية كاملة، وإعاقة أي تراكم حقيقي لرأس المال أو التكنولوجيا. 

وفي الوقت نفسه، يُعاد توزيع الدخل العالمي من جديد لصالح شركات السلاح والدول المصدرة للطاقة والوسطاء الماليين والسلعيين، بينما تدفع الشعوب ثمن هذه التحولات. 

ما هي توقعات مساهمة الرقمنة والذكاء الاصطناعي في النمو الاقتصادي العالمي وأثره على الوظائف؟ يتّفق الاقتصاديون اليوم على أن الرقمنة والذكاء الاصطناعي الإدراكي يشكّلان المحرك البنيوي الأكبر للنمو الاقتصادي العالمي خلال العقدين القادمين، حتى في ظل عالمٍ يزداد اضطرابًا.

 فالتكنولوجيا لم تعد قطاعًا قائمًا بذاته، بل أصبحت طبقة تحتية تمتد فوق كل القطاعات. التقديرات تشير إلى أن مساهمة الرقمنة والذكاء الاصطناعي قد تضيف ما بين 12 إلى 15 تريليون دولار إلى الناتج العالمي حتى عام 2035.

لكن هذا النمو لن يكون متساويًا بين الدول، فمن يمتلك البنى الرقمية والمهارات البشرية سيحصد المكاسب الأكبر. أما الوظائف، فالعالم يتجه نحو نموذج "النمو بلا وظائف” في القطاعات التقليدية، مقابل خلق وظائف عالية المهارة في مجالات البيانات والروبوتات والذكاء الاصطناعي. 

وبذلك يُعاد رسم خريطة العمل والدخل العالمية بطريقة غير مسبوقة منذ الثورة الصناعية الأولى.

 استنتاجات عامة المقارنة بين حقب السلم وحقب الحرب ليست مجرد تمرين تحليلي؛ إنها مفتاح لفهم اتجاه الاقتصاد العالمي في العقود المقبلة. إذا اتسعت رقعة الحروب، سينتقل الاقتصاد العالمي إلى نمط نمو هش، مضطرب، عالي الكلفة، منخفض الإنتاجية، تُعاد فيه الثروة من الأغلبية إلى الأقليات المستفيدة من اقتصاد الصراع. 

أما إذا نجح النظام الدولي في تقليص ساحات التوتر، سيتكرر ما رأيناه في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وفي التسعينيات: عالم ينمو أسرع، ويبتكر أكثر، ويُوزّع فوائده على شريحة أوسع.

 السلام ليس ترفًا أخلاقيًا، بل شرط إنتاجي لنمو العالم.

قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : عائد السلام وكلفة الحرب: من يصنع النمو العالمي في القرن الحادي والعشرين؟ - تواصل نيوز, اليوم السبت 22 نوفمبر 2025 04:01 مساءً

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق